الهوية والهوى السياسي.. بين “نحو الإنقاذ” و “لاحل إلا بالدولة”
بقلم جنى دبليز – ديموقراطيا نيوز في صلب نقاش تاريخي حول هوية لبنان، هبّت على المنطقة رياح جيوسياسيةعاتية غيّرت وجهها وأعادت قضية الهوية إلى واجهة الأحداث. رياحٌ جلبتالجولاني إلى قصر الشعب في دمشق، وإسرائيل إلى حدود الشام، والولاياتالمتحدة الأميركية عبر الجنرال جاسبر جيفيرز إلى جنوب لبنان. وأُعيد طرح قلقالهوّيات الفرعية على الساحة السياسية بما له من أهمية في رسم مستقبلالبلاد. في ضوء هذه المعطيات، شهدت نقابة الصحافة بروز مبادرتين سياسيتين: “نحو الإنقاذ” و”لا حل إلا بالدولة”. لذلك استطلعت “ديمقراطيا نيوز” آراءالقائمين على هاتين المبادرتين: الصحفي محمد بركات (عن “نحو الإنقاذ”) والدكتور علي مراد (عن “لا حل إلا بالدولة”) فحوى هاتين المبادرتين: يُنظر إلى وثيقة “نحو الإنقاذ” على أنها ذات طابع شيعي، تتميز بحدتها فيمطالبتها بتطبيق الدستور واتفاق الطائف والقرار 1701. يجيب بركات بأن”السكوت أوصلنا إلى هنا، وتحكّم السلاح بمفاصل الحياة السياسية جعلالجميع مستسلمين للسلاح، وخصوصاً الشيعة المستقلّين الذين لا يوافقونعلى سفر برلك والتجنيد المذهبي الإجباري في خدمة مشروع إيران. لذلكأطلقنا الصوت لنقول للشيعة إنه آن الأوان لنحمل هويّتنا الفرعية، ونذهب بهاصوب الدولة”. أما وثيقة “لا حل إلا بالدولة”، فتدعو إلى النضال السلمي تحت سقف الدستورلاستعادة لبنان موقعه كمنارة للحرية والديمقراطية، عبر انتخاب رئيسللجمهورية وتشكيل حكومة كفاءات وتعزيز القضاء ووضع خطة اقتصاديةشاملة وتعزيز دور الاغتراب اللبناني في الداخل والخارج. بين اللهجة و النكبة الشيعية لكن لماذا “اللهجة الشيعية” التي أخذها البعض على هذا التحرّك، نسأله، فيجيب: “إذا حصلت أزمة في البناية التي تسكنينها، يتداعى أوّلا أهل المبنى، ويتناقشون، ويقرّرون سويّا الحلّ، وإذا كان هناك حاجة يذهبون حينها إلىالدوائر الرسمية والمخفر، إلى الدولة. وهذا ما نفعله. تداعينا، ومعظمنا منالشيعة في المناطق المنكوبة، وقرّرنا، مع شركاء من غير الشيعة، من “الجيران” في الأبنية المجاورة، أن نذهب إلى “الدولة”. هناك يمكن أن نكون مواطنينمتساوين في الحقوق والواجبات، لا رعايا للمشروع الإيراني، وجنود في جيشالوليّ الفقيه. هذا هو مشروعنا”. ويوضح بركات مصطلح “النكبة الشيعية الحالية” قائلًا: “في الحرب الأهليةاللبنانية، تقاتلت الطوائف مع بعضها البعض. أما مشهد اليوم فمغاير تماما، إذيُشبه إبادة عسكرية ممنهجة للنسيج الشيعي، فلم يقتصر الأمر على الجنوب، بل طالت آلة الحرب الإسرائيلية، الشيعة في جميع الأراضي اللبنانية، وهيسابقة تُسجّل في التاريخ.” وبالعودة إلى التاريخ، عانت الطائفة الشيعية من اضطهاد ممنهج بحق أبنائها، تمثّل في مرحلتين: الأولى، على يد المماليك منذ حوالي 800 عام، ما أدّى إلىانحسار وجودهم في كسروان وجبيل. والثانية، عام 1920 مع إنشاء دولة لبنانالكبير، حيث شنّت سلطات الانتداب الفرنسي حملة عسكرية مُركّزة علىالشيعة في مناطق صور وصيدا وجبل عامل مع تمردهم على حدود سايكس ـبيكو حينذاك. فهي الحدود الشرعية الوحيدة الكفيلة على حفظ و صونوجودهم”. توحيد صفوف المعارضة فيما يتعلق بإمكانية توحيد صفوف المعارضة من خلال مبادرة “نحو الإنقاذ”، صرح بركات قائلاً: “وصلتنا دعوات للقاء مع كتل معارضة متنوعة، أبرزها مننواب التغيير، مجموعات 17 تشرين، والمجموعات الدستورية. وسنلتقي معهمعلى طاولات حوار، لما تعكسه هذه التكتلات من روح ورمزية واحدة، رغم تعددالمنتسبين إليها. نحن على غرارهم، نريد أن نكون جزءًا من لقاء وطني جامع.” أما بالنسبة للقائمين على مبادرة “لا حل إلا بالدولة”، يشير مراد إلى أن: “تتعدد وجهات النظر حول الثنائي الشيعي، لكننا نؤمن بأن مواجهة التحدياتالتي يفرضها حزب الله على البلد بأكمله تتطلب خطابًا ومشروعًا وطنيًاجامعًا. فالرد على حزب الله لا يمكن أن يقتصر عبر تجميع شيعي.” وأضاف مراد: “أحترم تمامًا أصحاب هذا التوجه المختلف، لكن رؤيتنا تقومعلى مواجهة المنطق الطائفي السائد بخطاب وطني شامل. معركتنا ليست معنفوذ حزب الله فقط، بل مع الفكر الأحادي الذي ألغى التعددية. يمكننا الالتقاءفي الاستحقاقات السياسية والنضالية والانتخابية، رغم اختلاف الرؤى بينالمعارضين. المطلوب هو توحيد الجهود مع الإبقاء على التنوع في الرأي. محاولةاستبدال الثنائي الشيعي بتشكيل معارض يتبنى المنطق الطائفي نفسه ليستالحل، ونحن منفتحون على جميع الآراء المطروحة في هذا السياق. استقطاب المواطنين: بين المبادرتين وعن الدور الذي لعبه تنوع أعضاء الهيئة التأسيسية لمبادرة “نحو الإنقاذ” فياستقطاب المواطنين، يقول بركات : “إيمانا منا بأن خلاص هذا الوطن لا يكونإلا بتضافر جهود اللبنانيين كافة، حرصنا على تشكيل فريقنا من شرائحالمجتمع اللبناني كافة، باختلاف طبقاتهم الاجتماعية وتنوع خلفياتهم الثقافية، فشمل أطباء وإعلاميين ورجال دين وفنانين، بمن فيهم الكوميديون. وقد حظيتهذه الرؤية بقبول واسع لدى العديد من الأفراد الذين بادروا بالتواصل معنا عبرمختلف وسائل التواصل الاجتماعي للاطلاع على أنشطتنا بشكلأوسع.”وينهي قائلا: “الأشهر القليلة المقبلة كفيلة بتبيان نتائج هذه التكتلات”. أما عن استقطاب مبادرة “لا حل إلا بالدولة” للمواطنين، يجيب مراد: “القضيةليست مجرد مكاسب سياسية لمعارضي الثنائي الشيعي، بل تتعلق بفتح المجالأمام نقاش سياسي جديد في المنطقتين الجنوبية والبقاعية. فالناس بحاجة إلىالتعبير عن مواقفها السياسية بحرية، بعيدًا عن أي رادع نفسي أو أمني، وذلكمن خلال تحديد المسؤوليات والإجابة عن السؤال التالي: لماذا وصلنا إلى هذاالوضع؟” مواجهة الخطاب والتخويني: التحديات والردود وعند سؤاله عن كيفية مواجهة الخطاب التحريضي الذي يوجهه ضدهمالمتشددون في حزب الله، أجاب بركات : “لقد تعودنا على ذلك، والأجدر بهمالانشغال بشؤونهم الداخلية وإعادة تنظيم صفوفهم بعدما تعرّضوا له، وهوليس سهلاً. ولا داعي لنتلهّى ببعضنا البعض. نحن نمدّ أيدينا لهم للتعاون”. “في المقابل، إستفاض مراد في الحديث عن الخطاب التخويني، قائلاً: “المسألةلا تقتصر على خطاب التخوين فقط، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد أعمق، إذ يعتمدعلى الاستهزاء والاستخفاف، ويصل إلى حدّ تجريد أي عمل سياسي خارجإطار الثنائي الشيعي من الشرعية. هذا الوضع ناتج عن أعراف رسخها أنصارالحزب، حتى وصل الأمر إلى اعتبار انتخابات 2022 بمثابة حرب تموزسياسية.” وأضاف مراد: “لقد أنصفت مجريات الأحداث الأخيرة في لبنان وما تلاها فيسوريا المعارضين للثنائي الشيعي، ومنحتهم الحق الكامل في طرح النقاشالسياسي دون التعرض للتخوين أو الاستهزاء أو التشكيك في شرعيتهم.” وأردف قائلاً: “نحن مجموعات دفعت أثمانًا باهظة على الصعيدين الشخصيوالسياسي، دفاعًا عن قناعاتها وثباتها في مواجهة عنجهية وجبروت الثنائيالشيعي. ومهما تنوعت طرق التعبير، فإننا نقف إلى جانب شعبنا، فالتنوعوالتعددية حاجة ماسة للبنان عموما، والجنوب خصوصا.”
الهوية والهوى السياسي.. بين “نحو الإنقاذ” و “لاحل إلا بالدولة” قراءة المزيد »