كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
وصل التقنين القاسي إلى نهايته، وعادت الكهرباء إلى الخطوط مع تفريغ القسم الأول من حمولة باخرة الفيول في الزهراني الخميس الماضي، قبل انتقالها إلى دير عمار لإفراغ بقية الحمولة يوم السبت. ومع إعادة تشغيل مجموعات دير عمار الحرارية دخل إلى الشبكة 240 ميغاواط إضافية ليصبح ناتج الطاقة الكلّي 390 ميغاواط، بعدما كان قد تراجع إلى 150 بسبب شحّ الفيول. قد يكون تبرّؤ مؤسسة الكهرباء من المسؤولية عن تأمين الوقود مفهوماً، إلا أن ذلك لا يعفيها من مسؤولية انعدام العدالة في توزيع الطاقة المتوافرة بين المناطق والمستهلكين.
تدنّى إنتاج الطاقة في الأيام الأخيرة من عام 2023 إلى حدّه الأدنى بسبب شحّ الفيول، ووصل الإنتاج الحراري في ذروة الأزمة إلى 150 ميغاواط بعد فصل كلّ مجموعات التوليد الحرارية عن الشبكة، باستثناء واحدة في معمل الزهراني، بحسب بيانات مؤسسة كهرباء لبنان، لتأمين الحدّ الأدنى من الإنتاج لتزويد المرافق الأساسية بالطاقة كالمطار والمرفأ ومضخات المياه والسجون.مع استفحال الأزمة خرجت محطات توزيع الكهرباء من عقالها، وسيطرت المافيات على ساعات التغذية في المناطق، وتحكّم «قبضايات الأحياء» برقاب الناس. وظهرت في بيروت «خدمة تحويل الكهرباء لعشر دقائق لاستخدام المصعد مقابل 300 ألف ليرة»، بحسب أحد العاملين في مؤسسة الكهرباء، و«في الضاحية الجنوبية فرض صاحب مولد قطع الكهرباء عن الحي الذي يغذيه لزيادة المصروف على العدّادات، وإعادة وصل الخطوط التي قطعها أصحابها بعد تركيب طاقة شمسية في منازلهم».
تدني التغذية لا يعني مطلقاً الدخول في العتمة الشاملة، فالطاقة المنتجة تؤمّن ساعة من الكهرباء يومياً على الأقل، في حال وُزّع الإنتاج بشكل عادل. ولكنّ توزيع الكهرباء القليلة المنتجة على المناطق اتّسم خلال أيام الأزمة الأخيرة بلا عدالة وباستنسابية. فمقابل الانقطاع التام للتيار منذ 13 كانون الأول الماضي وحتى السادس من الشهر الجاري في بعض المناطق، وصلت الكهرباء بشكل وُصف بـ«الجيّد» إلى عدد غير قليل من المناطق، وتجاوزت ساعات التغذية في بعضها 8 ساعات يومياً لدرجة سأل فيها أحد سكان هذه المناطق «عن أي أزمة كهرباء تتكلّمون».
وبعد استطلاع عدد من الموظفين في مؤسسة الكهرباء تبيّن أنّ مشكلة التوزيع لم تنته مع العودة الجزئية للتيار بسبب مشاكل لوجستية وبشرية لن تُحلّ قريباً. فـ«خروج محطة التحكم المركزية في مبنى مؤسسة الكهرباء الرئيسي، بسبب انفجار المرفأ، عن العمل جعل من غير الممكن معرفة كيفية توزيع الطاقة المنتجة في المعامل الحرارية بعد وضعها على الشبكة»، بحسب مصادر «الأخبار» في المؤسّسة. اليوم، تتم عملية توزيع الكهرباء من أحد المباني الفرعية للمؤسّسة، وتُستخدم «آلات بدائية تسمح فقط بمعرفة تردّد الكهرباء لعدم السماح بحصول حمل زائد، لكن من دون معرفة ساعات التغذية في المناطق»، ويبقى بالتالي عدد كبير من المدن والأحياء بلا كهرباء لأيام، رهناً لمزاج الموظف أو القبضاي المسيطر، كما حصل خلال الأزمة الأخيرة.
«التوزيع فالت تماماً، والضبط شبه مستحيل»، تقول المصادر التي لا تنفي حصول «عمليات بيع لخطوط الكهرباء في المحطات التي استمرّ التيار بالوصول إليها خلال فترة التقنين القاسي، إذ لا رقابة على الموظفين فيها بسبب غياب غرفة التحكّم الرئيسي». سابقاً، كان توزيع الطاقة مراقباً من قبل المؤسّسة والتفتيش، وكان من الممكن تقديم تقارير ممكننة حول ساعات التغذية في كلّ منطقة. أمّا الآن، فيمكن للموظف المناوب في محطة التحويل الاستنساب في إيصال الكهرباء لمن يشاء من الأحياء. ففي إحدى محطات التحويل، مثلاً، قرّر موظف، بناءً على دراسة لم يطّلع عليها أحد، تصنيف المواطنين إلى فئتين، الأولى تدفع الفواتير والثانية لا تدفع. فقام بتحويل الكهرباء إلى الفئة الأولى لساعات أطول من الفئة الثانية، علماً أنّ «المخرج الذي حصل على ساعات تغذية أطول فيه عدد كبير من الفنادق والمطاعم، وهي الأقل التزاماً بدفع الفواتير»، بحسب المصادر.
من جهة أخرى، لا يمكن إلقاء اللوم بشكل تام على الموظفين فقط، فـ«هؤلاء يقعون تحت ضغوط مناطقية». ففي غياب قوى الأمن، يُهدّد الموظفون في بعض المناطق في حال عدم تحويل ساعات أطول من الكهرباء، وتُطلق عليهم النار أحياناً، ما جعلهم في الآونة الأخيرة يرفضون المناوبة ويكتفون بتحويل الكهرباء ومغادرة المحطات.
الخطوط المستثناة
حول عدم وصول الكهرباء بشكل كامل إلى بعض المناطق خلال فترة التقنين القاسي، أفاد أحد مديري توزيع الطاقة في المناطق بـ«أنّ الإنتاج وصل إلى حدّه الأدنى، ولولا المعامل المائية التي وضعت 70 ميغاواط على الشبكة لتدنّى الإنتاج إلى ما دون 150 ميغاواط». ولتمرير الأزمة، قامت المؤسّسة بوضع أولويات، المطار، المرفأ، وآبار المياه الرئيسية، وأوصلت الكهرباء فقط إلى محطات التحويل المسؤولة عن إيصال الطاقة إلى هذه المرافق.
وخلال ساعات الليل، أو عند انخفاض استهلاك المرافق المستثناة للطاقة يتم تزويد المناطق التي تتغذى من المحطات نفسها بالكهرباء. في المقابل، «صفّرت المحطات الأخرى، ولم تصلها الكهرباء نهائياً لعدم احتوائها على خطوط مستثناة». وحول الوضع في المناطق، لم ينفِ المدير وجود تجاوزات، وأعادها للسبب ذاته، أي عدم وجود محطة تحكّم مركزية»، ولكنّه أشار إلى أنّ الأحياء لا تتغذى بالكهرباء من محطة تحويل واحدة، ولو كانت متجاورة. ففي الضاحية مثلاً، منطقة حي ماضي تتغذى من محطة الحرج التي تحتوي على خط مستثنى، وبالتالي وصلتها الكهرباء، ولو لساعة يومياً، ومنطقة بئر العبد تتغذى من محطة الضاحية المصفرة، ما يعني عدم حصولها على الكهرباء أبداً.