
بقلم جوزاف وهبه
لا يكفّ وزير الداخلية بسّام مولوي عن تكرار الوعود بالأمن والسلام والطمأنينة في مدينة طرابلس كلّما اهتزّ هذا الأمن لسبب من الأسباب دون أن تكون لهذه “الوعود” من فعاليّة أو مدّة محدودة من الزمن..وآخر هذه الوعود ما جاء على لسانه بقوله بعد ترؤّسه إجتماعياً أمنياً في سراي طرابلس:”إنّ المواطنين سيلاحظون وجوداً أمنياً أكثر في الشمال، وهمّنا تحقيق القدر الأكبر من الأمن والأمان. وإنّ القوى الأمنية تقوم بكلّ جهد لتوقيف المخلّين بالأمن ولن نتساهل، ولكن على المواطن التيقّن أنّ المخالفات تضرّ به”. ويبقى السؤال:هل الأمن موسميّ حتى يقول الوزير مولوي “أنّ المواطنين سيلاحظون وجود أمني أكثر..”، وهل ما جرى في حلبا، مؤخّراً، من قطع طرقات بشاحنات الرمول وإطلاق الرصاص هو جزء من هذا التحسّن؟
في ختام حديثه يربط مولوي بين الشأن الأمني المباشر وبين ما أسماه الأمن الإجتماعي. من هنا لا بدّ من التساؤل في “خطاب” معاليه حول جملة معضلات أمنية – إجتماعيّة تمسّ كلّ مواطن وخاصة في مدينة طرابلس، دون أن تجد لها حلّاً عند نوّاب المدينة، أو أن تجد لها آذاناً صاغية لدى المسؤولين، وفي طليعتهم الوزير المذكور:
-إنّ تمرّد أصحاب المولّدات على قرار وزارة الإقتصاد (تركيب العدّادات والتزام التسعيرة الرسمية لسعر الكيلووات) هو جزء أساسي من الأمن الإجتماعي، حيث أنّ كلّ ساكن من سكان المدينة يدفع (على شكل خوّة، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى) 150$ بدل 5 أمبير فقط، وهو مبلغ يكاد يضاهي راتب أيّ موظف (وضمنا المعاشات السبعة المضافة)، دون أن يستطيع هذا المواطن أن يعترض حيث بات كلّ صاحب مولّد صاحب مجموعة من الشبيحة يشكّلون مافيا كاملة الأوصاف:تهديد، قطع خطوط الإشتراك، منع الإشتراك مع مولّد ثانٍ..وإذا لزم الأمر خطف وإطلاق رصاص…والأمثلة على هذه السلوكيات يومية وكثيرة، ويعرفها جيّداً ضبّاط الأمن الذين سيكلّفهم معاليه بالسهر على أمننا!
-إنّ شوارع المدينة والأرصفة باتت تحت سيطرة “الزعران” المباشرة. لا يمكن لأيّ كان أن يرصف سيارته في مكان عام (لا خاص) إلّا ويحضر إليه شاب غاضب طالباً منه بدل كاراجيّة بلطف مبطّن أو بعينين تشرقطان غضباً. فالرصيف ملكه والطريق العام ملكه، ومن لا يعجبه الأمر فليجرّب حظه في مشكلة لن يخرج منها معافى، ولن يؤازره فيها رجل أمن يكاد يحصل على راتب يكفيه عشرة أيام من الشهر!
-إنّ الموتوسيكلات (وقد أضيفت إليها التوك توك) قنبلة جوّالة وموقوتة.لا ندّعي المطالبة بمنعها عن السير، ولكن على الأقلّ إجبار راكبيها الإلتزام بالحدّ الأدنى من قوانين السير:عدم العبور عكس السير، عدم المرور على الأرصفة وعدم التجاوز عن الشمال وعن اليمين ومن كلّ الجهات..خاصة وأنّ راكب الدرّاجة الناريّة دائماً على حقّ، ولا يتوانى عن افتعال المشكل بسكّين مسنونة أو شفرة قاطعة، عدا السباب والشتائم التي اعتدنا على تحمّلها!
-الرصاص الذي يسمع كلّ ليلة، والذي يصيب واجهات بعض المحلات هنا وهناك هو رصاص “خوّات” لم تدفع في النهار، وليس نتيجة خلافات شخصية سابقة، بمعنى أنّ المدينة مستباحة، والقويّ يأكل الضعيف..فهل يعلم ذلك معالي الوزير؟
نعرف أنّ الوزير لا يملك عصا سحرية في بلد شديد الإنهيار. ونحن لا نطلب المستحيل، ولكن نتمنّى على أولي الأمر أن يضعوا حدّاً معقولاً لهذه التجاوزات (وخاصة مافيا المولدات) حيث أنّها تستفحل يوماً بعد يوم، ما ينعكس على الأفراد، وينعكس على النشاط التجاري في المدينة، كما ينعكس على أعداد الوافدين إليها من محيطها الطبيعي.
وعود الوزير بالأمن، إن لم تلامس هذه الأمور الجوهرية، تبقى كلاماً مكرّراً لا يتجاوز جدران سراي المدينة!