لودريان وزيارة الاحتفاظ بماء الوجه!

كتب صائب بارودي

انطلاقًا من الحكمة القائلة “لا تصدق ما تسمعه أذناك بل صدق نصف ما تراه عيناك واترك الباقي للعقل”.
نتناول الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان لودريان على القوى السياسية اللبنانية في إطار البحث عن صيغة توافقية تضع حلًا للأزمة اللبنانية وتؤدي الى إنتخاب رئيس للجمهورية العتيدة.
لودريان زار لبنان في تموز الماضي وأجرى جولة من المباحثات مع السياسيين وغادر دون أن يصل إلى نتائج إيجابية ليعود مجددًا ساعيًا إلى إنجاح ما فشل فيه عند الزيارة السابقة. فأجرى على مدى ثلاثة أيام مباحثات ومناقشات مع مختلف القيادات السياسية إبتداءً من رئيس مجلس النواب نبيه بري وانتهاءًا برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مرورًا برؤساء الكتل النيابية ليغادر لبنان دون أن يدلي بأي تصريح يكشف فيه عن تفاصيل مباحثاته ومساعيه التوفيقية تاركًا هذه المهمة للرئيسين بري وميقاتي والنواب الذي التقى بهم ليصرّح كل منهم من الجانب الإيجابي الذي استخلصه من المباحثات.
واستنادًا إلى الحكمة المذكورة في بداية المقال بعدم صدقية ما تسمعه الأذنان، فإن كل التصريحات التي أدلى بها مختلف السياسيين حول جولة موفد الرئاسة الفرنسية تحتمل الصدق والكذب. لذلك لا تؤخذ بعين الاعتبار السياسي الفعلي وتختلف الآراء حول تفاسيره وتحليلاته ودلالاته.
أما لجهة تنقلات الموفد الفرنسي فقد تابع المراقبون والمهتمون بشأن انتخاب الرئيس خاصةً واللبنانيون عامةً بشغف واهتمام بالغ الزيارات واللقاءات التي قام بها لودريان التي تناولتها مختلف الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة والإعلام الإلكتروني بالتفاصيل المملّة وما رافقها من تأويلات وتسريبات لم يثبت دقتها وصحتها بقدر ما عكست أهواء وميول كل منها وتحقق مصالحه ورغباته. لذلك تؤخد باعتبار تصديق نصف ما تراه العيون وتثبت صحته المشاهدة دون النظر إلى تفاصيلها واستنتاجاتها.
ليبقى النصف الآخر على عاتق العقل في التفكر والتدبير ،لذلك لا يمكن القول أن جولة لودريان أسفرت عن نتائج إيجابية تحمل البشرى باقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية رغم كل ما تردد وقيل بشأنه ، ولكن يمكن القول أن اللقاءات والمباحثات التي أجراها لودريان مع مختلف الأفرقاء السياسيين في لبنان أعطت عدة مؤشرات ودلالات يجب التعمق في قراءتها لخطورة عواقبها المستقبلية، وأهمها إجتماع النواب السنة مع لودريان في دار السفير السعودي وليد بخاري بحضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لافتقادهم إلى المرجعية السياسية الجامعة بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وتحوّل كل نائب سني إلى مرجعية خاصة بذاته وهو ما دلّ عليه تسابق كل نائب إلى الإدلاء بتصريحه المستقل عقب الإجتماع دون الإتفاق على أحدٍ منهم للتحدث بالنيابة عنهم جميعًا، ما يدل على رغبة الإحتفاظ بالظهور الشخصي والتمسك بالحضور المنفرد والرأي المستقل .
بالمختصر، فإن الجولة الثالثة للموفد الفرنسي لم تأتِ بأي متغيرات جدية لحل أزمة إنتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ، بل يمكن القول أنها زيارة تمهيدية قبل تسلّم الموفد القطري لهذه المهمة التي قد يباشرها في الأيام القليلة القادمة مزوّدًا بخطة اللجنة الخماسية التي سيلتقي أعضاؤها على هامش إجتماع هيئة الأمم المتحدة في نيويورك.
فهل سيتطابق المثل الشعبي “أيلول طرفه مبلول ” مع أيلول الأزمة اللبنانية فيكون طرفه مبلولاً بانتخاب الرئيس العتيد؟.
كل الأجواء المناخية السائدة تشير إلى ضباب كثيف مصدره اللقاء السعودي – الحوثي المرتقب؟!.