كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
تراجع الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، عن الهجوم الذي شنّه على قوى «14 آذار» التي كان أحد أبرز مكوناتها، ووصفه شعار «لبنان أولاً» الذي رفعته بـ«السخيف». وفيما يشبه الاعتذار الضمني، نشر جنبلاط تغريدة جديدة عبر صفحته على منصّة «إكس»، وقال: «في الحديث الذي أدليت به إلى جريدة (الأخبار) وصفت فيه خيار (لبنان أولاً) بالسخيف، الأمر الذي يجعلني أتنكّر لحقبة مهمة من تاريخي، لذا أتمنى اعتبار هذا الوصف في غير مكانه».
هذا التراجع السريع عن فكرة «لبنان أولاً»، التي ناضل اللبنانيون من أجل تطبيقها، أعاد طرح السؤال عمّا تبقى من هذا الشعار الذي وحّد لسنوات القوى السيادية في مواجهة المشروع الإيراني؛ إذ اعتبر منسق عام قوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، أن «هذا الشعار بات اليوم حاجة وطنية أكثر من أي وقت مضى». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «في ظلّ الصراعات التي تشهدها المنطقة من البحر الأحمر إلى مزارع شبعا، وإعادة رسم النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، بات ملحّاً البحث عن موقع لبنان ودوره في المرحلة المقبلة». وقال: «في لحظة إعادة ترتيب المنطقة، لن نتخلّى عن تمسكنا بهذا المبدأ». وتابع سعيد: «المشكلة أن القوى السياسية بغالبيتها لا تقدّر خطورة إعادة رسم الخرائط، فهذا الفريق يريد صيغة جديدة للبنان، وذاك يريد فيدرالية والآخر يحاول الاستسلام لسلاح (حزب الله) والنفوذ الإيراني».
ورغم الانتقادات الحادّة التي وجّهت إلى جنبلاط من شخصيات في قوى «14 آذار»، يتفهّم سعيد الخليفات التي ينطلق منها الزعيم الدرزي، وأضاف: «لوليد جنبلاط أيادٍ بيضاء في (14 آذار)، وأشهد أمام الله والتاريخ أنه لولا هذا الرجل لما كانت القوى السيادية اجتمعت في قريطم على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولما انطلقت ثورة الأرز التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري»، مؤكداً أنه «يتفهم جنبلاط الذي يتجنّب الاصطدام مع (حزب الله)»، مشيراً إلى أن «استعادة اللبنانيين لوحدتهم، ستعيد إحياء فكرة (لبنان أولاً) ومواجهة مشروع (حزب الله)، وحفظ بلدهم في مرحلة ترتيب المنطقة».
ويعدّ «الاشتراكي» في طليعة القوى والأحزاب السيادية الرافضة إدخال لبنان في لعبة المحاور، واعتبر مصدر في الاشتراكي أن «انتقاد شعار (لبنان أولاً) ووصفه بالسخيف هو مجرّد زلّة لسان»، مذكراً بأن جنبلاط «كان رأس حربة قوى (14 آذار)، وهو من أطلق شعار (لبنان أولاً)». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «وليد جنبلاط كالعادة، يملك الجرأة الأدبية والسياسية لإعادة تعريف مواقفه إذا اقتضى الأمر، وهذا ما حدث»، مشيراً إلى أن «التغريدة واضحة لناحية عدم التنكر لتلك الحقبة التاريخية التي كان له دور أساسي فيها، ولو تغيرت الظروف السياسية وحصل الكثير من الأحداث منذ لذلك الحين»، لافتاً إلى أن جنبلاط «ارتأى إصدار هذا التوضيح انسجاماً مع مواقفه واعتباره التوصيف في غير مكانه».
وتصرّ الأحزاب المنضوية ضمن قوى «14 آذار» على التمسّك بمبادئ السيادة الوطنية، ورأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب رازي الحاج، أن «كلام جنبلاط عن (لبنان أولاً) هو اعتراف بأهمية تلك المرحلة التاريخية، التي كانت مرحلة نضال مشتركة على مساحة الوطن، وتخطّت كل الاصطفافات، وكانت تهدف إلى بناء الدولة التي ترعى الجميع». وقال الحاج لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشهدية (14 آذار) أزعجت كثيرين؛ لأنها كسرت حاجز الخوف عند اللبنانيين، وتجّلت فيها الوحدة الوطنية، لذلك لا نزال متمسكين بشعار (لبنان أولاً) من أجل بناء الدولة القوية، بغض النظر عن المراحل التي مررنا بها، وبغض النظر عن النجاح والفشل الذي نقع به من حين إلى آخر».