بقلم جوزاف وهبه

كيف يمكن لنا أن نحتفي بلقب “طرابلس عاصمة للثقافة العربيّة 2024″، وهل المدينة المتعَبة المتهالكة مهيّأة لهذا اللقب الكبير، وهل ما يتردّد ويُنشَر عن القيّمين على هذه الإحتفالية التاريخية “أهل” للفوز بهذا اللقب ووضع المدينة في مصافي الثقافة بما تحمله من حداثة وتحدّيات وطموحات؟
نبدأ باللجنة المنظّمة التي كلّفها وزير الثقافة محمد وسام المرتضى بهذه المهمّة الجليلة (عضو المجلس البلدي الدكتور باسم بخّاش ورفاقه..)..

أوّلاً، كيف يغيب عن لجنة مكلّفة بهذه الوظيفة الثقافية أمثال الدكتور المؤرخ خالد زيادة والمثقّف المتقدّم في طرح التساؤلات الفلسفيّة أحمد العلمي، وأحد صنّاع الفكرة بالأصل رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفّوح منجّد، والكاتب المحدّث (من حداثة) والقلِق الدكتور خالد جمال، والروائي الزغرتاوي العالمي رشيد الضعيف (وربّما غيرهم من الأسماء الفاعلة والوازنة)..من أبعدهم، وكيف تنجح مدينة في تجربتها الثقافية دون روّادها ومثقّفيها الكبار؟..
ثانياً، ما هي السيرة الذاتيّة الثقافية لكلّ عضو في هذه اللجنة حتّى نستطيع الحكم، إيجاباً أو سلباً، على نهايات التجربة إذا ما كانت ستبقى سعيدة أو فقّاعة صابون، ليس إلّا، يسرّ بها البعض، وينتفع منها البعض الآخر؟..

في الأسبوع الماضي، جرى التداول باللوغو الذي جرى اختياره كشعار مناسب للإحتفالية: مَن قرّر ذلك؟ وهل جرى فتح الباب أمام المتقدّمين في الغرافيك ديزاين للوصول إلى الأفضل والأكثر ملاءمة للحدث؟.

والسؤال: أين الثقافة في هذا اللوغو التقليدي، والذي بدا – بالأذن من راسمه – كسلّة ملأى بالخضار الملوّنة، خاصة في رمزيّة معرض طرابلس التي بدت مجرّد “مسكة أو قبضة” مكمّلة لهذه السلّة؟ وهل على لوغو 2024 أن يعكس الماضي أو المستقبل؟..

ومن غيبوبة اللجنة المنظّمة ورتابة اللوغو، نصل إلى جوهر الإشكالية: هل يمكن لوزير منع عرض فيلم سينمائي (باربي) أن يرعى بانفتاح إحتفالية بحجم “عاصمة للثقافة العربية”، وهل تسمح له ثقافته السياسية، والتي يمثّلها في الحكم، أن يقود العاصمة الثانية إلى التألّق الثقافي الذي يليق بها، أو الذي ينبغي أن تبلوره من خلال نشاطاتها، ما يكسر النمط التقليدي للصورة المشوّهة التي يتناقلها عنها الإعلام المحلّي والغربي؟.

نشكّ في ذلك. ونشكّ أكثر حين نقرأ في البيان الرسمي الذي أعلن عن الإحتفالية وعن تشكيلة لجانها الهجينة بنداً خاصّاً ينصّ على حصر مسؤولية ومضمون كلمة إفتتاح الحفل المنتظر بالوزير دون غيره، أي هناك رقابة مسبقة ستخضع لمقصّه، وما أدراك ما مقصّه الوافد من ثقافة أئمّة إيران، ومن ثقافة الموت لا الحياة، ومن ثقافة الرأي الواحد، ومن ثقافة “مَن ليس معنا فهو ضدّنا”، ومن ثقافة التخوين وهدر الدم والقتل المراق من مشهديّة طنّين من مادة السي فور لاغتيال رجل واحد، إلى مشهديّة رصاصات تخترق رأس لقمان سليم مذيّلة بتهديد “لا مين شاف ولا مين دري”، أكان الشاهد مواطناً عاديّاً أو أجهزة أمنيّة يفترض بها أن تحقّق بحثاً عن القاتل المجهول المعلوم!..

الأسئلة حول العاصمة الثقافية ستبقى بلا أجوبة، لأنّ الثقافة عبء ثقيل لا يحتمله أولئك المهلّلون لقرار الوزير مرتضى بفتح فرع لوزارته في طرابلس (3 أيّام في الأسبوع)، دون أن يتساءل أحدهم: هل تحتاج الثقافة الى وزير يرعى جدليّتها وحداثتها ورفضها للواقع القائم؟..
وهل الوزير المعني حضر الى المدينة لمواكبة نبضها الثقافي أو للعب دور سياسي يعود بالنفع الى مرجعيّته الباحثة عن حضور فاعل ومؤثّر في الشارع السنّي؟..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: