بقلم جوزاف وهبه
لم يعد ل”حزب الله” ما يهدّد به.
فكلّ قواعد اللعبة التي رسم حدودها الأمين العام حسن نصرالله، في سلسلة من الخطابات ذات النبرة العالية والأصبع المرفوع، وأعدّ لها “ما استطعتم من قوّة”، قد كسرتها إسرائيل، القاعدة تلوَ الأخرى، غير آبهة بردّات الفعل المحتملة، بما فيها المئة ألف صاروخ التي يمكن أن تطال ما بعد بعد حيفا!..
أوّل الخطوط الحمر التي تجاوزها الجيش الإسرائيلي تمثّل في اغتيال الرجل الثاني في حركة “حماس” صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، على مرأى ومسمع من قيادة الحزب، وهو الأمر الذي طالما حذّر نصرالله إسرائيل من التجرّؤ عليه، أي المساس بأيّ من قادة المقاومة الإسلامية أو من المقاومة الفلسطينية في أيّ بقعة تقع فوق الأرض اللبنانية، ولكنّها فعلت..فما كان الردّ المناسب لهذا الخرق الكبير لما درجت تسميته “قواعد اللعبة”؟..
يقوم الطيران الإسرائيلي بعمليّات اغتيال منظّمة شبه يومية لقيادات وعناصر من الحزب، وآخرها مقتل القيادي حسن سلامي، مسؤول منطقة الحجير وينتمي الى “وحدة ناصر” في قوات الرضوان، إضافة الى قيادته لعدّة عمليّات ضدّ مواقع إسرائيلية.
وسبق اغتيال سلامي في بلدة المجادل، عملية اغتيال القائد الملاحق دبس في النبطية بعد أن نجا من محاولة أولى والنبطيّة تقع بعيداً عن محاور القتال التقليدية (7 أو 10 كيلومترات في العمق الجنوبي):فماذا فعل الحزب، وما هي طبيعة الردّ المزلزل الذي لم نسمع به؟..
إسرائيل لم تكتفِ بخرق “قاعدة المسافات” في العمق الجنوبي، بل وصلت الى ما بعد بعد الجنوب، فقتلت عنصرين للحزب عند حدود القصير، وأغارت على عاصمة البقاع بعلبك مخلّفة شهيدين إضافيين (أحمد محمد سنديان من بلدة علي النهري وحسن علي يونس من بلدة بريتال)، وتدميراً في منشآت تعود للحزب في العمق اللبناني:كيف تصرّفت المقاومة الإسلامية؟ لقد ردّ نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بالقول:”عندما يتوسّع الإعتداء الإسرائيلي سنوسّع ردّنا لمنعه من أن يتمادى ويحقّق أهدافه”.. وفي الحقيقة يمكن الإجابة:لقد تمادى (وكتّر..) يا سماحة الشيخ!..
لم يحترم العدو أيّاً من القواعد المحرّمة التي رسمها نصرالله طوال سنوات من الخطب والتهديدات النارية. فقد فتكت صواريخه بالمدنيين والأطفال:7 شهداء في عمليّة النبطية التي استهدفت دبس، وزهرة الجنوب الطفلة أمل حسن شعبان التي سقطت في مجدل زون، فما كانت ردّة فعل الحزب؟. لقد أصدرت الدائرة الإعلامية في الحزب بوستاً بالألوان يتضمّن صورة الطفلة “أمل” وقد وقّع عليها بخطّ يده السيّد حسن، وتتضمّن عبارة “الثأر قادم” باللغات الثلاث العربيّة والإنكليزية والعبرية..فهل يمكن للحروب أن تُخاض تحت عنوان الثأر، ليس إلّا؟.
ويبقى الأهمّ في لعبة الإطاحة بقواعد اللعبة من طرف واحد، أنّ شعار “وحدة الساحات” الذي باسمه أعلن نصرالله “حرب الإسناد” لغزّة في الثامن من شهر أوكتوبر الماضي، رابطاً بين وقف الحرب في الجنوب بوقف الحرب في غزّة، إنّما قد تخلّت عنه إسرائيل نفسها، حيث جاء على لسان وزير الدفاع غالنت “أنّ الجيش الإسرائيلي سيستمرّ في عملياته في لبنان”، ولو جرى الإتّفاق على هدنة طويلة أو قصيرة في غزّة، فكيف سيتصرّف حينها الحزب؟ وماذا يتبقّى من شعار وحدة الساحات؟ وهل ستبقى حينها الساحة اللبنانية تحارب منفردة، دون إسناد أو مشاغلة، لا من “حماس” المنهكة، ولا من الحشد الشعبي المغلوب على أمره في العراق، ولا من سوريّا التي نأت أصلاً بنفسها منذ عمليّة “طوفان الأقصى”، ولا بالطبع من الحوثيين الذين بدأوا يشعرون بثقل ما فعلوه من عربدة وقرصنة في البحر الأحمر؟ …