بقلم خالد صالح
لطالما سمعنا خلال دراستنا الاعلامية ومتابعتنا في هذا الميدان عن “مقصّ الرقيب”، الذي اشتهر في ماضٍ غابر، بعد أن اتخذه “البوليس السياسي” في حقبات سابقة وسيلة لـ “كمّ الأفواه” ومنع نشر أي مادة إعلامية (تلفزيون – سينما – مسرح – صحف وجرائد) قد تسيء أو تعارض نظام الحكم القائم ..
من هنا فإن الأسئلة التي نُسأل عنها نحن معاشر الكتاب والإعلاميين كثيرة حول “مقصّ الرقيب” في الصحافة العربية من قبيل: هل يتدخلُ أحدٌ في مقالاتك الصحفية ؟، هل تأتيك توجيهات من هنا وهناك للكتابة في موضوع معين؟، هل تُمنع بعض مقالاتك؟، هل يتمّ حذف بعض عباراتك أو عناوين مقالاتك؟ ..
اليوم، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها الواسع، تبدو فكرة “مقص الرقيب” أقل تأثيرًا على الواقع الذي نُعايشه، وباتَ بوسع كلّ فرد أن يُعبّر بالطريقة التي يشعر أنها تناسب الحدث، ورغم ذلك – خصوصًا في لبنان – مانزال نسمع بـ “دعاوى قضائية” تتناول الرأي والموقف السوي، مع أن دستورنا القائم يؤكد على ضمان حرية التعبير البعيدة عن الإسفاف والتجريح، وكأن “مقص الرقيب” حاضرًا بوجوه مغايرة عن تلك التي عرفناها سابقًا ..
للإجابة عن تلك الأسئلة – الآنفة الذكر – أجدني مضطرًا للرجوع إلى التاريخ قليلًا وبالتحديد 1799، حيث كان “مقص الرقيب” له حضوره منذ البدايات حينما صدرت أول صحيفة عربية في القاهرة وكان اسمها الحوادث اليومية، أما عن التقارير الأخيرة فقد أصدرت منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية تقريرها الأخير سنة 2022 وذكرت بأن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في مجتمعات تتمتع بحرية كاملة للصحافة، تراجعت إلى أدنى مستوى في أكثر من عقد، وبحسب التقرير لا يزال مستوى حرية الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيئا رغم تحسنه الكبير في بعض الدول العربية ..
نعم إنها “صاحبة الجلالة” أو السلطة الرابعة كما يسمّيها الكثيرون، ويحقّ لنا أن نتساءل هنا: هل ما زلنا نثق بالإعلام العربي؟، هل ما زالت هناك درجة صدقية يتمتع بها لكي نصدّق ما تبثه مئات الصحف والمواقع الإلكترونية الصادرة باللغة بالعربية، وهي في ازدياد مستمر؟ هل ساهمت الصحافة العربية في تثقيف وتوعية وتشكيل الشعب العربي لكي يطالب بحقوقه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية؟، أم أن الصحافة تحوّلت إلى تجارة وباب للإكتساب غير المشروع ؟ ..
“فوق مقصّ الرقيب” .. زاوية ثابتة ستكون عبر أثير موقع ومنصة “ديمقراطيا نيوز”، يوميّ الثلاثاء والسبت من كل أسبوع سنتناول فيها قضايا الساعة، سياسيًا واقتصاديا واجتماعيا، بلا محاباة ولا مغالاة، بلا تجريح أو تهكّم، لأننا كنا وما زلنا نؤمن في حقيقة الدور الذي يلعبه الإعلام العربي عمومًا واللبناني على وجه الخصوص، بحثًا عن إجابات عما هو المنشود، وما هو المزعوم، وما هو الحادث على أرض الواقع؟..
إن نظرة المجتمع في أحيان كثيرة تكون نظرة صحيحة، نظرة واقعية مبنية على التقاليد والعادات والقيم المستمدة من ثقافتنا الرائدة، تتناول “الحقيقة المجردة” بعيدًا عن التجريح والتشهير، لأن مَن يخرج بعيدًا عن هذا المسار فهو المسؤول عن نفسه وفي أي اتجاه ينتهي ..
“فوق مقصّ الرقيب” .. لأن “مقص الرقيب” لم يعد يخيفنا، لأن “الرقابة الحقيقية” تكمن في ذواتنا، في قيمنا، في انتمائنا الوطني، وفي أمانينا بأن نُشكّل مدماكًا راسخًا من بناء هذا الوطن الحر السيّد المستقل، لا رقابة على أقلامنا إلّا ما يُمليه عليه ضميرنا المهني ومصداقيتنا الثمينة ووطنيتنا الحقيقية، وسنظلّ من أشدّ المدافعين عن “كلمة الحق” حتى في حضرة سلطان جائر ..