بقلم خالد صالح
أكد سفراء “اللجنة الخماسية العربية الدولية”، ضرورة انتخاب رئيس جديد للبنان في أسرع وقت نظرًا للظروف التي يمر بها والمنطقة ما يُحتّم إنجاز هذا الاستحقاق.
عبارة لطالما سمعناها منذ شباط 2023 وحتى اليوم، من دون أن نلمس أي جهود حقيقية لتحقيق هذا الأمر، وكل ما يجري (علنًا أو في الغرف المغلقة) إجراء محادثات ولقاءات مع مختلف القوى السياسية، والهدف بلورة “تصوّر ما” لوضع حدّ للشغور الرئاسي الممتد لأكثر من سنة ونصف السنة .
لم يخرج بيان “الخماسية” الأخير عن الخط الذي رسمته لنفسها منذ تشكيلها، إذ أتى على شاكلة ما سبقه وإن كان الجديد فيه هو التلويح بشكل غير مباشر بفرض العقوبات على من يتسبب في تعطيل هذا الاستحقاق، وهذا أمر خلق شيئا من النقمة والسخط لدى اللبنانيين، فهل بلغ الانحدار السياسي هذا المبلغ، لتصل الأمور فيه إلى حدود أن تهدد مجموعة من “السفراء” ممثلي الأمة في المجلس النيابي بهذه الطريقة؟..
تعدّدت اللقاءات والمباحثات لكن أيّ حلٍ لم يظهر بعد، فهل وصلت “اللجنة الخماسية” إلى حائط مسدود ؟، أم أنها تتمهّل في ذلك بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في “غزة” ؟، أم أن الانتخابات الأميركية المقبلة بدأت ترخي بظلالها على الواقع السياسي في المنطقة ولبنان مركون حاليًا في الثلاجة ؟ .
أجندات زمنية كثيرة
منذ اللقاء الأول لها في باريس، كثرت المواعيد لهذا الاستحقاق، وتجاوزناها من دون حصول أيّ خرق، ولم تخرج بياناتها عن الأدبيات السياسية والديبلوماسية المعروفة، بأن دور اللجنة يتمثل في تهيئة الأجواء والخروج بالتزام واضح من القوى اللبنانية التي لديها رغبة حقيقية في إنهاء هذا الأمر، لكنها لا تملك مشروعًا يمكن التعويل عليه، لاسيما في مسألة الخيار الثالث (المبهم) وكيفية مقاربة هذا الطرح .
المتابع لعمل اللجنة الخماسية يشعر أنه “لزوم ما لايلزم”، وما يدور حاليًا هو الإيحاء بأن انعقاد اجتماع السفراء في حدّ ذاته عامل مهم لإظهار الدينامية المتزايدة لديهم لدفع عجلات الملف الرئاسي إلى الأمام، ولدفع المسؤولين في لبنان لإيلاء هذا الاستحقاق الإهتمام الكامل ووضعه في رأس أولوياتهم، خصوصًا أن المنطقة مقبلة على تقاطعات كثيرة ولبنان يحتاج رئيسًا يتكلم باسمه في المحافل المعنية .
لكن الكلام شيء والفعل شيء آخر، إذ تظهر “العقدة” داخلية بامتياز، فوجهات النظر متباعدة ولا نقاط تقاطع بينها أو حتى نقاط التقاء، والدعوات إلى حوار حقيقي تصطدم بالكثير من الشروط والشروط المضادة و “الفيتو” الداخلي متبادل، وفرضية “التسوية” مفقودة لعدم وجود “المبادر” لها لوضع حدّ للشغور واستعادة النظام لعافيته، لأن الجميع ومن دون استثناء “صعدوا إلى الشجرة” حتى صار النزول عنها بمثابة “الهزيمة” .
النكد بالنكد
حتى اللحظة كل ما يصدر عن اللجنة الخماسية مجرد تمنيات وتوصيات، وما يُحكى عن فترة زمنية محددة يجب على اللبنانيين استغلالها واستثمارها هو رهان ضعيف، فالحابل الرئاسي اختلط بالنابل الاقليمي، وفرضت الحرب في “غزة” ثم “جنوب لبنان” نفسها على الشارع اللبناني، بحيث أصبح “الاعتياد” على الفراغ أمرًا طبيعيًا، لأن الكباش انتقل من ميدان السياسة والبرامج الاصلاحية والخطط التنفيذية إلى ميدان “النكد” و “النكد المقابل” .
أيضًا لم تظهر أي مؤشرات أن الاستحقاق الرئاسي بات قريبًا، وأنه مازال أسير “الستاتيكو” القائم الذي نشهده منذ سنة ونصف السنة، والذي طغى على تحركات الخماسية فوقعت في المحظور، فالتجاذبات تحوّلت إلى داخلها لأن الأهداف الحقيقية لأعضائها ليست محصورة فقط في إنجاز الاستحقاق، بل هناك أجندات لكل طرف، وما يُحكى عن “وحدة الموقف” هو ضرب من الأوهام، فالمراقب بدقة لمسار عملها، يكتشف أن كل طرف “يغني على ليلاه” وأن اللجنة الخماسية باتت تحتاج إلى “لجنة خاصة” لحلحلة العقد داخلها على قاعدة “طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليل” .
الأميركي يفكر في “أمن اسرائيل” أولًا، السعودي يريد استكمال عملية “تصفير المشاكل” في المنطقة وفق رؤيته، الفرنسي يبحثُ عن امتيازات اقتصادية لاسيما في مسألة “الغاز”، القطري يريدُ العودة إلى الواجهة من “بوابة لبنان”، أما المصري فـ “لا حول ولا قوة” له وهو مثل “البالع الشفرة” يقف على حد السيف، لذلك فإن كل فريق يتطلع إلى معالجة مسألة الاستحقاق من زاوية مصالحه التي تختلف عن زوايا شركائه .
أفق مسدود
مادامت الحرب دائرة على جبهتي غزة والجنوب، فلا أفقَ واضحًا أمام اللبنانيين، وهو الأمر عينه الذي يترك “الخماسية” في حال تخبّط وارتباك، وعجز في الوصول إلى “خارطة طريق”، إذ يبدو أن عملها حاليًا يقتصر على “تقطيع” الوقت ريثما ينجلي المشهد الاقليمي بالكامل، وقد ظهر هذا الأمر من خلال التحركات “الفردية” التي يقوم بها السفيرين السعودي والمصري بـ “المفرّق” وبجعبة خالية من أي طروحات جدّية أو جديدة .
ووفق معطيات مصادر مقربة، فإن ما يقال عن محاولة “الفصل” بين الاستحقاق الرئاسي والميدان العسكري غير دقيق البتة ولا يستند إلى معطيات حقيقية، فالحوار الداخلي مرفوض، والأفرقاء ينتظرون الخماسية، والخماسية تنتظر انقشاع الرؤية في المنطقة، والمنطقة برمتها أسيرة عدة ملفات بدءًا من حرب غزة وليس انتهاءً بالحرب الروسية الأوكرانية وصولًا إلى الانتخابات الأميركية، وعليه يبدو الأفق مسدودًا، ولا بوادر “تسوية” تلوح في الأفق، وكأن الجميع يدور في “حلقة مفرغة”، وعلى اللبنانيين الانتظار طويلًا على قارعة التقاطعات ريثما تتهيأ الظروف لإنضاج حل مقبول من الجميع .
قرابة السنة مرّت على آخر “جلسة انتخاب” وعلى اللبنانيين أن يعودوا إلى أرض الواقع، فاللجنة الخماسية عامل مساعد لا عامل مقرر، وما عاد مسموحًا “وضع البيض كلّه في سلة واحدة”، وعلى قاعدة “ما حك جلدك متل ظفرك” من الضروري الجلوس والتحاور بروح إيجابية بطريقة موازية للجهود التي تبذلها الدول الصديقة، وإلا فإن الفراغ سيطول وربما يطول أكثر مما هو متوقع .
