٢٥ أيار .. عيد المقاومة والتحريرإشكالية “التحرير” .. و “العيد” المفقود !!

بقلم خالد صالح

قد لا احتفل في هذا اليوم، قرابة ربع قرنٍ من الزّمن على اندحار جيش العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان، وانتصار الحقّ على الباطل، وقد لا يكون للذكرى أي معنىً عندي وأنا أدقق جيدًا في كلّ ما حدث في لبنان منذ الخامس والعشرين من أيار ٢٠٠٠ وحتى اليوم، وكيف أهدرنا فرصة بناء “وطن” و “دولة” بأيدينا، وربما بتوجيهات ممن لم يُرد لنا هذا ..

لست في معرض المسّ بـ “عظمة” هذا اليوم، فهو تاريخيّ بكل المقاييس، ولم يأتِ يومٌ على اللبنانيين اجتمعوا فيه مثل هذا اليوم، هذا البلد الذي قاسى لعقود وعقود، وجد نفسه أمام “انجاز” بلغ حدود “الإعجاز”، وحقق ما عجزت عنه دول أخرى، وأسقط مقولة “الجيش الذي لا يُقهر”، وبدلًا من أن نستثمر هذه اللحظة التاريخية، ضربتنا الأنانية والبحث عن المصالح، ورويدًا رويدًا أهدرنا كل ما تحقّق على دروب الأجندات والتبعيات، وتناسينا أن ما ينطبق على هذا البلد هو أمرٌ فريد لا ينطبق على غيره .

منذ ذلك اليوم العظيم وحتى هذه اللحظة، بدأ “الوهج” جرّاء جلاء المحتل عن أرضنا بفعل الدماء الزكيّة التي أريقت على تراب الوطن يبهت شيئًا فشيئا، وبدل أن تكون “الذكرى” حلقة تربط جميع اللبنانيين من دون استثناء، تحوّلت الذكرى إلى فئة من دون الفئات الأخرى، وبدل أن تكون مصدر فخر واعتزاز، صارت مادة للنقد والسخرية، نتيجة جملة من الأحداث التي شهدها لبنان منذ أيار الـ ٢٠٠٠ وحتى الساعة .

حقائق ثابتة
كانت الظروف السياسية في لبنان آنذاك مستعدة للدخول في “إطار” السعي لتوحيد الرؤى باتجاه بناء الدولة، لكن “النظام السوري” المهيمن على القرار الداخلي بدأ بوضع العراقيل في طريق هذا الاتجاه، وبدل من أن يعمد “حزب الله” إلى تأطير الإنجاز داخليًا وتحصين البلاد التي نفضت عنها قبل عقد غبار “الحرب الأهلية” ثم “التحرير”، وبدل من الانخراط في الحياة السياسية بشكل كامل بعيدًا عن لغة السلاح، بدأ بوضع العراقيل والعقبات وكان أوّلها خروج ملف “مزارع شبعا” إلى العلن، خصوصًا مع الصفعة التي تلقاها النظام السوري في الانتخابات النيابية سنة ٢٠٠٠ والتي أعادت الرئيس الشهيد رفيق الحريري بقوة إلى السراي الحكومي.

بُعَيدَ التحرير بأسبوعين كانت لحظة مفصلية تمثّلت بوفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في العاشر من حزيران، كان لبنان حينها يستعد للانتخابات النيابية، وسط صراع كبير بين السلطة المتمثلة بالرئيس إميل لحود والحكومة برئاسة سليم الحص والمستقلين الذين يتقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأسهم “التراخي والضياع” خلال فترة انتقال الحكم في سوريا إلى الرئيس بشار الأسد بفوز المستقلين، ودخول البلاد في تجاذب سياسي حاد ودقيق، أرخى بظلاله السوداء حتى يومنا هذا.

ما قبل وما بعد
كانت الضربات التي توجهها المقاومة للعدو الاسرائيلي طوال فترة الاحتلال تُفرح كل اللبنانيين، فمقاومة المحتل حق مقدّس لنا، وتحرير الأرض واجب وشرف، والإلتفاف الشعبي حول “أحقية المقاومة” مدعاة فخر وإعتزاز، وكانت لحظة “التحرير” بارقة أمل أتت في لحظة مفصلية، رأى فيها الجميع الإنجاز المكمل لعملية البناء والنهوض ونفض غبار الحرب الأهلية المدمرة، وطن يستعيد أمنه وأمانه وأرضه وعافيته، هذا ما أراده اللبنانيون من دون استثناء، بينما هناك في الظل من أراد غير هذا !!..

وتوالت الأحداث، تمّ فرض التمديد للرئيس لحود بـ “القوة”، صدور القرار ١٥٥٩، اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، موجة اغتيالات مرعبة، شلّ البلد سياسيًا، حرب تموز ٢٠٠٦، حصار السراي الحكومي، ٧ أيار ٢٠٠٨، اسقاط حكومة الوحدة الوطنية مطلع ٢٠١١ وتشكيل حكومة “القمصان السود”، فراغ رئاسي استمر لسنتين ونصف السنة، ثم فرض عهد رئاسي لم يبق ولم يذر، والقاسم المشترك بين ما سبق “حزب الله” وسلاحه !!.

في بلاد يختلفون فيها على كل “تفصيل” حتى على مسألة “التوقيت الصيفي والتوقيت الشتوي”، من الطبيعي أن يتحوّل “يوم المقاومة والتحرير” إلى مادة تُسهم بانقسام عمودي، بين مؤيد ومعارض، بين من يعتبره نصرًا موزرًا وآخر يعتبره هدية من العدو الاسرائيلي، بين من يشعر بالفخر مما تحقق ومن يراه بداية النفوذ الإيراني على لبنان، يصبح “التحرير” إشكالية تتعدّد فيها وجهات النظر، ويصبح فيها “العيد” غير مكتمل، لأن تراكم الأحداث منذ ٢٥ أيار الـ ٢٠٠٠، والصراع المفتوح بين السلطة والمقاومة تحوّل إلى أزمة سياسية خانقة، وبات السؤال الأكثر تداولًا : إن كان قسم من أراضينا مازال محتلًا (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا) لماذا عيد التحرير ؟.

هذه العوامل أدّت إلى تصاعد التوتر السياسي في لبنان، بسبب اختلاف أطراف المعادلة الداخلية حول مكانة المقاومة الوطنية فيها، وتتموضع هذه الأطراف على جبهتين متقابلتين تختلفان في رؤيتهما لدور المقاومة ومصيرها، كما تتعارض نظرتهما إلى مشروعية وتداعيات “توظيف” المقاومة في تشكيل وإدارة مؤسسات الحكم الوطني، فالنتيجة الحتمية لأي مقاومة عبر التاريخ، بعد تحقيقها النتائج المرجوة، أن تكون عاملًأ مساعدًا في بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها وتنخرط فيها، لا أن تكون على جانبها، تمارس السلطة الرسمية من جهة ولها سلطتها المستقلة من جهة أخرى .

إشكالية وإختلال
بدأ التوازن الداخلي في تلك الحقبة “المستقر” نوعًا ما في الاختلال تدريجيًا بعد ٢٥ أيار 2000، وتعارضت الرؤية السياسية إلى المقاومة وكيفية “توظيفها” في الداخل، لأن مشاركة “المقاومة” كـ “طرف مستقل” في تركيبة الحكم ستكون سببًا في انهيار التوازات الداخلية نفسها، وهذا ما حصل، إذ تراجعت إستراتيجية التحرير والأهداف المنشودة منه بصورة استسلامية للأمر الواقع، مما جعل السلطة “الهجينة” و “الفاسدة” أن تودي بنفسها رويدًا رويدًا إلى الانهيار، كي لا نقول “الانتحار” .
إذ بدا من الواضح أن القوى المعترضة على بقاء “المقاومة” واستمرار دورها كـ “جسم منفصل” لديها رغبة جامحة لوضع حدٍ نهائي لهذا الدور والبت في مصيره، وهذه الرغبة تحملها على مقاربة إشكالية العلاقة بين السلطة والمقاومة، من باب القلق والخشية من تغيير “وجهة المقاومة” وتوظيف “قوتها وسلاحها” من أجل الإطاحة بالتوازن السياسي و “الستاتيكو” القائم، ونسف الصيغة اللبنانية وديموقراطيتها .
من هنا، لم يعد “توظيف” المقاومة في تركيبة السلطة فكرة محتملة، لها ممثلون في المجلس النيابي وفي الحكومة، ومن الضروري الإنخراط في العمل السياسي التام وإيجاد “إستراتيجية دفاعية” موحّدة، والتوافق الداخلي على “قرار السلم والحرب”، وتفعيل التماسك والانصهار الوطني، كي يصبح لبنان محصّنًا بقوة، لمواجهة كل التحدّيات الداخلية والخارجية، كي يصبح لبنان الدولة والشعب بيئة موحدة لمقاومة التردّي والانهيار والفساد .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top