بقلم خالد صالح
يُقال أن رجلًا لديه عائلة مكوّنة من ثمانية أولاد وأمهم، كان يبحثُ عن بيتٍ يستأجره ويسكنُ فيه، لكنّ أصحابَ البيوتِ كانوا يرفضون تأجيره بسبب عائلته الكبيرة ..
ذات يوم طلبَ من زوجته أن تصطحبَ سبعة من الأولاد إلى “المقبرة” بينما أخذ هو ولده الكبير قاصدًا صاحب أحد البيوت، ولما سأله عن أسرته، قال له: لديّ ثمانية أولاد، سبعة منهم مع أمهم في “المقبرة” وهذا الثامن معي، ومن دون أي تفكير وقّع صاحب البيت عقد الإيجار معه .
التفت الوالد لابنه الأكبر وقال له : أرأيت يا بني، لا داعي لأن تكذب، فقط عليك أن تختار الكلمات المناسبة ..
يقال أن الابن الأكبر قد كبر وأصبح سياسيًا مشهورًا !!
اليوم نُكمل الشهر “التاسع عشر” من الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وحتى الآن لا بوادرَ تلوح في الأفق للخروج من نفق الشغور، وسط فقدان “حس المبادرة” لدى الأطراف المعنية والإصطدام بعقدة “الحوار”، العبارة السحرية التي أربكت حسابات البعض، فبدأ بمحاولة تطويقه قبل حصوله بسلسلة من الشروط، لا لرئاسة “نبيه بري” لجلسات الحوار، التخلّي العلني عن ترشيح سليمان فرنجية، والتعهد بجلسات مفتوحة ومتوالية لإنجاز الاستحقاق .
مبادرات عقيمة
بين الجهود التي تبذلها “اللجنة الخماسية” ومبادرة تكتل “الاعتدال الوطني” لإخراج الاستحقاق الرئاسي من دائرة المراوحة التي استمرت طوال تسع عشر شهرًا، أثبتت القوى السياسية المعنية أنها ليست في وارد إنجازه في القريب العاجل، ووضع الشروط والشروط المضادة هدفه “بروباغندا” إعلامية لا أكثر، حتى الزيارات المتكررة لمبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان تصبّ في خانة المراوحة، إذن لماذا هذه الحركة وهي بلا بركة ؟..
أمام المشهد القاتم الذي يخيّم على هذا الملف المهم لمستقبل البلاد، أسئلة كثيرة تُطرح في هذا السياق، هل العقدة تكمن في إجراء الحوار للتوصل إلى خلاصة مرضية للجميع ؟، أم أنها تكمن في من يترئس الحوار خصوصًا أن بعض أطراف المعارضة يرفضون رئاسة الرئيس بري له ؟.
حسم بري الموضوع بأن الأمانة العامة للمجلس النيابي هي من يتولى الدعوة للحوار للخروج من حال التأزم القائمة، وأن المشاركة فيه يجب أن تكون بلا شروط مسبقة لتسهيله والتوصل إلى صيغة توافقية مرضية للجميع، لأن الظروف الدقيقة والخطيرة التي يعيشها لبنان والمنطقة تستلزم الإسراع في إنجاز الاستحقاق، ووضع نهاية للشغور القائم، متى صَفَتِ النوايا !!.
قطبة مخفية
المراقب للكباش الدائر بشأن “الحوار” يقرأ بين سطور رفض المعارضة له “غاية قصوى” وهي استبعاد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من السباق، أكثر من سعيها لإنهاء الشغور في مقام الرئاسة، إذ ينطبق على هذا الموقف المثل الشعبي “اللي ما بدو يزوج بنتو بيغلّي مهرها”، وأن أي نقاش بشأن الحوار لن يتم قبل سحب ترشيح فرنجية، بينما يريد “الثنائي” حوارًا غير مشروط للتلاقي في منتصف الطريق حول مواصفات الرئيس للمرحلة المقبلة ومتطلباتها، هذا الأمر يجعل من حدوث أي خرق مستبعد في الوقت الراهن.
ما تطلبه المعارضة وتحديدًا “القوات اللبنانية” يوضح أن الاستحقاق يُحاك خارجيًا، وأن جلّ ما تقوم فيه هو المماطلة ريثما تصل الأمور في المنطقة إلى صورة أكثر وضوحًا، فالتخبّط الذي يحكم أدائها ظاهر للعيان، فهي لا تملك مرشحًا ثابتًا، حتى خلال تبنيها ترشيح النائب ميشال معوض أولا وتقاطعها مع التيار الوطني الحر على جهاد أزعور لاحقًا، لهذا تُكثر من متطلباتها للموافقة على الحوار، وكأن في هذا الأداء “قطبة مخفية” تحاول حدف الأنظار عنها حاليًا .
شراء الوقت
رغم بعض المبادرات النيابية الجماعية والفردية، فإن المياه الراكدة لاتزال على حالها، ولا نيّة لكسر الحواجز المنصوبة بين الأطراف المعنية، وظواهر التفاصيل تؤكد أن ما يجري حاليًا هو “مناورة” لا “مبادرة” بهدف “شراء الوقت”، وأن “كلمة السرّ” لم تصل بعد إلى الأروقة اللبنانية، بانتظار ما ستؤول إليه الحرب الدائرة على قطاع غزة، وما سيليها من إعادة رسم لخارطة المنطقة برمتها ومن ضمنها لبنان.
مسلسل “الفراغ” مستمر، بالرغم من أن حلقاته المقبلة لن تحمل جديدًا، لا بل أن تفاصيلها معروفة بدقة، وستظل “العقدة في المنشار” حوار للرئاسة أم رئاسة للحوار، وسيظل التجاذب سيد الأحداث، ورمي الكرة من ملعب إلى آخر، من دون الإلتفات إلى “مصير وطنٍ” يتلاشى تدريجيًا، وسط انقسام عمودي مخيف، قد يأتي علينا زمن نندم على إهدار كلّ الفرص المتاحة لنا لإنقاذه، ولات ساعة مندم !!..