طفولتنا سمادُ شخصياتنا… فكيف تؤثّر مرحلة الطفولة على حياتنا؟

بقلم رفال صبري

كلّ واحدٍ منّا لديه قصّة خرج بها من طفولته؛ يبدأ الإنسان في خوض تجاربه في الحياة منذ لحظة الولادة، بدءاً من تجاربه مع والديه وعائلته، ثمّ مع زملائه في المدرسة وأقرانه في محيطه… فيعيش طفولته وفق نمطٍ معيّن لم يختره، لكن هذا النّمط يُحدّد مصيره ومستقبله ويكوّن شخصيّته

داخل العائلة الواحدة، ينشأ أطفال ذوو شخصيّاتٍ مختلفة، وأحيانًا متناقضة فيحبّ واحدٌ ما يكره الثّاني والعكس أيضًا… فعلى الرّغم من أنّ لهم نفس الأبوين، وترعرعوا في نفس المحيط لكنّهم لا يشبهون بعضهم.
تشير “جنان الآغا، المرشدة النفس اجتماعية في مستفشى المقاصد”، في حديثٍ إلى موقع “ديموقراطيا نيوز” إلى أنّ ” العائلة هي أساس المجتمع ومرتكزاتها الأساسية الأب والأم المتوافقين، وهنا التوافق لايعني الحب فقط بل التفاهم والتغاضي والاحتواء”.
وقد كشفت دراسات عديدة في مجال علم نفس الأطفال، أنّ لترتيب الطّفل داخل العائلة (الطفّل الأوّل، الأوسط، والأصغر) تأثير كبير في تكوين شخصيّته؛ ويعود ذلك إلى أنّ الأبوين يتعاملان مع كلّ طفلٍ بطريقة مختلفة، وتختلف ظروف التّنشئة مع اختلاف ترتيب الطّفل في العائلة فيتأثّر باخوته وبمحيطه ويحاول تشكيل شخصيّته من خلال ذلك.

ومن أشهر ما قاله الطبيب والمحلل النفسي “سيغموند فرويد”: “تنبت العقد من صدمة عاطفية ثم ينسى الإنسان سبب الصدمة، ولكن العقدة تظل حية في نفسه”.
وفي هذا الإطار تضيف “الآغا” “إنّ الصدمات التي يعيشها الطّفل خلال مرحلة الطّفولة كالتنمّر مثلّا الّذي يقود إلى مشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية، ومخاطر صحية طويلة الأمد، إذ تؤثر العوامل النفسية على صحة القلب والأوعية؛ لأنّ الشّعور بالاكتئاب، الوحدة، الانطوائية، القلق، الغضب والعدوانية بشكلٍ مستمرّ يؤدّي إلى إجهادٍ نفسيّ وبالتالي زيادة المشكلات الصحيّة”.

غالبًا معظم حالات التّنمرّ يكون مصدرها المدرسة الّتي تشكّل جزءًا كبيرًا من عناصر تكوين الشّخصيّة، إذْ يقضي الفرد أكثر من نصف يومه فيها، ويختلط بالعديد من الأفراد الّذين لا يشبهونه فتنشأ عمليّة تبادل للثّقافات فيما بينهم … يحاول كلّ فرد أن يكتشف الحياة وأن يتعلّم كلّ جديد سواءً الجيد أم السيء.
كثيرةٌ هي التّجارب الّتي يعيشها الطّفل داخل مدرسته، بدءًا من الانفصال الجزئي عن والديه، تكوين محيطه الخاص، تشكيل العلاقات والصّداقات؛ أو صعوبة التّأقلم مع محيطه الجديد، التعرّض للأذى النفسي والتّنمر، الضّغط الّذي يشكّله كلّ من النّظام التّعليمي والأصدقاء.
لا شك أن في معظم البيوت وإن لم تكن كلّها، تحصل فيها خلافات أسرية تتعاظم أحياناً وتقل في أحيانٍ أخرى…
تؤكّد “الآغا” على أنّ “في كل عائلة لا يكون الإتّفاق بنسبة مئة في المئة، إذْ أنّ الأب والأم هما من بيئتين مختلفتين في غالب الأحيان لذا لا يوجد توافق تام وخاصة في السنوات الأولى من الزواج بسبب اختلاف العادات والطباع وهنا تكمن المشكلة فهل يكون البيت بمثابة برّ أمان للطّفل أم يعيش وسط اضطرابات عديدة كالعدوان اللفظي مثل السب والشتم والتهديد أو الاستصغار والتحقير، أو حتى العدوان البدني مثل الضرب أو العنف، وهناك العدوان الصامت مثل التجنب والإهمال والابتعاد”.

إنّ انتهاء العلاقة والانفصال أو الطّلاق؛ هي بمثابة الشعور بالخسارة بالنّسبة للطّفل وانهيار عالمه الّذي نشأ فيه وتعوّد عليه، فالطفل لا يخسر مجرد منزلًا، بل يخسر انتماءً وأماناً، حيث تختلف طريقة حياته ويعيش حياةً غير مألوفة، ويبقى حائراً حول ما حدث، خائفاً من أن يتخلى أحدُ والديه عنه، وما يزيد من قلقه بشأن الطلاق شعوره بالذنب وكأنه المسؤول عن ذلك.
وغالباً ما تكون هذه المشاعر أسوأ عندما يُفرض على العديد من الأطفال أن ينتقلوا إلى منزل جديد وأحياناً مدرسة جديدة أو داخليّة بعد أن يتم الانفصال.

يظل الإنسان أسير طفولته حتى لو بلغ التسعين، حتّى لو مرّت سنوات على جروح الطّفولة فهي لا تُنسى ولا يتوقّف ألمها… فدنيا الطّفل هو البيت الّذي ولد فيه وأبوه وأمّه، وما عاشه خلال طفولته يظنّه الحياة وهكذا يكملها. الطّفولة وطننا الأم، وإذْ لم نشعر بالانتماء فيها سنبقى طيلة عمرنا مشرّدين.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top