“التيار الوطني الحر” .. التسونامي الذي صار موجة !!

بقلم خالد صالح

ورد في كتاب “كليلة ودمنة” لابن المقفع أن الأسد استيقظ مرعوبًا فصَرَخ: “أين ذلك الأحمق؟ إليّ بوزيري” .. أسرع الضبعُ إلى منزل الخروف: “سيدي الوزير، مولاي الملك يطلبك” .. هرع الخروف إلى الملك ليقص عليه منامَه، ففسره الخروف على انه رسالةُ شؤمٍ تُهدِدُ حياته .. ونصحه ان يُقَدِمَ قربانًا ليتجنب الموت .. اقتنع الملك وخوّله بالتصرف، فدعا الخروف بقية الحاشية، الى عقد اجتماعٍ حول أمن الغابه القومي وبحضور الملك، وبعد ان انهى الخروف قصة المنام، ساد الحزن وجوه المجتمعين حتى تمنوا الموت، وحين أنهى الخروف حديثه، أكد لاحل سوى بسكبِ دماء تغلي فداءً للملك، وفتَحَ الباب على مصراعيه لمن يرغب نيل هذا الشرف العظيم.ساد الصمت وانقلبت الوجوه الحزينه إلى حائرةٍ مرتعبه، واستمر حتى لم يبقَ من لم يفكر أن يضحي بنفسه كي يتخلص من رعب هذه اللحظات الجهنميةِ التى اخترقها الثعبان قائلا: “بعد اذن مولاي الملك المفدى، من يقرأ التاريخ ويطلع على مشيئة الحضارات، لايخرج إلا بنتيجة واحدة لخلاص امتنا العظيمه من هذا الهول الجبار، وهو أن القربان المُقدم لايحققُ مبتغاه إلا عندما يُضحّى بخروف، فكيف إذا كان الخروف وزيرًا؟” .. فصرخ الجميع، ليحيا التاريخ ولتعيش الحضاره.

بلوغ القمة

م يكن تاريخ 31 تشرين الأول 2016 سوى القمّة التي بلغها “التيار الوطني الحر”، بعد أن حقق رئيسه المؤسس حلمه الأوحد بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، والعودة إلى قصر بعبدا الذي شهد على سقوطه في تشرين الأول 1990، ومنذ بلوغه القمة بدأ التيار خطه التراجعي والانحدار نحو القاع بسرعة كبيرة، وما نشهده اليوم سوى تفاصيل السقوط الأخير . انتهى “تسونامي” التيار الوطني الحر ورئيسه ميشال عون في الـ 2005 على مراحل توزعت بين اتفاق مارمخايل ثم المشاركة في حصار السراي الحكومي بين الـ 2006 و الـ 2008، وتأييده للسابع من أيّار 2008، وصولا إلى اتفاق معراب، عدا عن استخدامه “التعطيل” الذي ضرب البلاد طولًا وعرضًا في أكثر من محطة، وآخرها وهو قابض على مقاليد السلطة رئيسًا للبنان . لم يعد التيار الوطني الحر في أبهى أيامه، لا بل ما عاشه من “أمجاد” وشهدها على مدى ما يقارب الثلاثة عقود تهاوت بسرعة فائقة، إن أن نسبة الـ 70 في المئة من التمثيل المسيحي تلاشت بشكل كبير، وما نتائج انتخابات الـ 2022 إلا دليل صريح على ما بلغه التيار من تراجع، ولولا وجود أيقونته “ميشال عون” بشخصه لكانت النتائج اليوم كارثية بكل المقاييس .

الصقور والرحيل

شهدت أروقة التيار الوطني في الآونة الأخيرة تجاذبات حادة بين رئيسه الحالي جبران باسيل ومجموعة من الشخصيات التي سجّلت نضالات كبيرة خلال تواجد عون في فرنسا، وأدت إلى الكثير من الاستقالات من وجوه كانت تُعتبر صقورًا داخل الحالة العونية وليس فقط التيار كحزب. ابتعدوا عن التيار ولم يلتزموا الصمت بل العكس، جاهروا أن هذا الحزب “لم يعد يناسبهم” وأن ما حصل منذ وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية “أقرب ليكون فضيحة بحق كُل من آمن به على أنه سينتقل بلبنان إلى مكان أفضل” ..المراقب لما يحصل حاليًا يدرك أن السبب الرئيسي لهذا التضعضع في صفوف التيار مردّه إلى الأسلوب الذي يتعامل فيه باسيل مع كل القيادات المؤسسة، فهو لم يكتفِ بالوراثة التي وهبه إياها عون وصلاحيات مطلقة، بل يريد أن يتحوّل إلى “ميشال عون” آخر، وأن تكون كلمته هي العليا دائمًا، من دون أي تقييم أو مراعاة لسلسة طويلة من الأداء السياسي لمجموعة من الأسماء، شطبها باسيل لإحساسه أنها عقبات في طريق أحلامه الوردية .ويبدو أن موجة الرحيل عن التيار لن تتوقف إذ تشير معلومات إلى أن الأسابيع المقبة ستشهد المزيد من الإنشقاقات والاستقالات ومنها على مستوى نيابي وقيادي، خصوصًا بعد ما حصل مع النائبين إلياس أبوصعب وآلان عون واستقالة النائب سيمون أبي رميا، إذ أن الغالبية يرون أن التيار لم يعد على هيئة تأسيسه وابتعد عن تاريخه ونهجه، وسقط في مصيدة “الأنا” التي يلعبها “الصهر” المقرّب، ولم يعد التيار ذلك المشروع السياسي الذي يعوّل عليه لبناء لبنان الدولة والكيان .

واقعية سوداء

يبدو أن حالة من التململ لدى بعض القياديين بدأت تطفو على سطح الأزمة، وأن مجموعة من المسؤولين المركزيين والمنسقين الحاليين يعتبرون أن البقاء في التيار صار صعبًأ لا بل مستحيلًا وأنهم غير قادرين على البقاء في مركب يغرق سريعًا ولا أفق لأيّ محاولة لإنقاد ما تبقى منه، ويُعبّرون عن ذلك بالقول “ما معنى أن يترك التيار كل المناضلين ومن يؤمن بالقضية وبلبنان كما نريده” .التيار اليوم قطع مع الماضي كل خطوط الترابط، وارتفعت الأصوات بتحميل الرئيس عون المسؤولية الأكبر عن هذا الانهيار لأنه جعل من باسيل صاحب اليد الطولى داخل التيار وخارجه، وبدأ الكباش يزداد قساوة بين باسيل ومجموعة ترفض هذه الهيمنة المطلقة التي يمارسها، لأنه حوّل الحزب من مؤسسة إلى “حزب الشخص الواحد”، وقد ظهر هذا الأمر جليًا من خلال التعيينات الداخلية التي قام بها ووضع كل من يدور في فلكه في مناصب قيادية ضربت هيكلية التيار التنظيمية برمتها .حلم “الجنرال المؤسس” تحوّل كابوسًا لكل من آمن بهذا المسار السياسي، وبات لزامًا تقديم “كبش” فداء على مذبح بقاء “التيار” .. حتى لو كان “وزيرًا” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top