بقلم جوزاف وهبه
لن تنفع كلّ الإستعراضات وزيارات المناطق (ما يتمّ منها كما في زيارة زحلة محاطاً بحشد أمني غير مبرّر، وما لا يتمّ كما في زيارة برّ الياس)، ولا الخطب النارية التي تدغدغ مشاعر المسيحيين في لبنان بالعودة إلى خطاب انتقاد حزب الله الممسك بقراري السلم والحرب، ولا ادّعاء المظلومية (على طريقة “ما خلونا”..وحقوق المسيحيين المسلوبة)، في التعويض على “الخسائر الفادحة” التي أصابت وتصيب الجسم السياسي – النيابي المترهّل للتيار الوطني الحر، وذلك بفعل معطيين موضوعيين غير قابلين للترميم أو التخفيف من تداعياتهما:
-الأول، أنّ عهد الرئيس ميشال عون (قمّة الطموح والإنجاز العوني..وأقصى أحلام الوجدان المسيحي الواهم والمبهور) قد انتهى بفشل ذريع، لم يسبقه إليه أيّ رئيس مسيحي للجمهورية، منذ تأسيس لبنان الكبير، علماً بأنّ الرهان عليه كان كبيراً وكبيراً جدّاً!.
-الثاني، أنّ عملية توريث “الصهر” جبران باسيل إنّما جاءت كالولادة من الخاصرة:أوجاع مؤلمة..واستقالات متتالية بالجملة. وقد بلغت ذروتها (وليس بالضرورة نهاياتها) في استقالات أو إقالات كلّ من النواب الياس بوصعب نائب الرئيس، ألان عون (إبن أخت الرئيس عون، ولذلك تأثير خاص في بلد ذي تكوين عائلي – عشائري كلبنان)، سيمون أبي رميا (خاصيّة جبيل حيث للصوت الشيعي وزن مؤثّر في الصندوقة الإنتخابية) ورئيس لجنة المال في المجلس النيابي ابراهيم كنعان.
فهل يمكن للتيار البرتقالي برئاسة (وليس زعامة، كما في زمن المؤسّس الجنرال ميشال عون) جبران باسيل أن يتعافى بعد أن تقلّصت كتلته النيابية من 21 عضواً إلى 12 نائباً، من دون احتساب نواب الأرمن الثلاثة الذين يتبعون، في الأخير الأخير، مصالحهم كطائفة أرمنية وليس توجّهات باسيل المتقلّبة؟رغم محاولات باسيل الأشبه بالمغامرة غير المحسوبة، ورغم عودته – كما في آخر خطاب له – إلى تبنّي أدبيات العقل المسيحي، لجهة رفض التبعية لأيّ طائفة أخرى، وهي راهناً الطائفة الشيعية متمثلة بحزب الله الذي أعطى العونيين الكثير، من وصول الجنرال عون إلى بعبدا، إلى تكريس الوزارات السيادية ملكاً للتيار، إلى وزنة أصوات الشيعة ما أضاف لهم في الإستحقاق الإنتخابي الأخير نوابا في جبيل والمتن ومناطق أخرى..
ورغم المعارك الدونكيشوتية هنا وهناك بحثاً عن شدّ العصب المسيحي، إلّا أنّ كلّ هذه القفزات والتجارب من الصعب أن تثمر، لأنّ ما استطاع فعله الجنرال عون في المزاج المسيحي، ليس من السهل أن يتكرّر مع شخصية “جبران باسيل” التي تفتقد الكاريزما والبدلة العسكرية والحقبة السياسية التي خاض فيها الجنرال عون حروبه، من جهة ضدّ حافظ الأسد تحت عنوان التحرير، ومن جهة أخرى ضدّ القوات اللبنانية تحت عنوان الشرعية والدولة!ففي التوقيت الحالي، قد خسر ويخسر باسيل تباعاً الكثير من الأوراق التي صنعت – في غفلة من الزمن – ما أسماه وليد جنبلاط “التسونامي العوني”:-حزب الله لم يعد يثق بحليف مار مخايل مهما كانت الحاجة متبادلة لدى الفريقين.الأحداث السياسية (والعسكرية) في البلد قد فكّت قسراً عروى العلاقات والمصالح بين الطرفين.لا الحزب يرتاح لمواقف باسيل، ولا باسيل بات يستطيع أن يتحمّل وزر الجنوح الشيعي المستجد. فالشارع المسيحي خائف على الوطن، كما هو خائف على “المجد العاثر”، وكلّ ذلك بفعل المدّ الشيعي المتوحّش!-سمير جعجع لم يعد “ميليشيا” خارجة على القانون والشرعية في الوجدان المسيحي.
بالعكس تماماً لقد تحوّل إلى “حامي” هذا الوجود.والأدلة كثيرة، لعلّ أبرزها واقعة عين الرمانة.عدا عن أنّ الخطاب القواتي بات معتدلاً دون تنازل، وطنيّاً صلباً دونما اللجوء إلى السلاح!-وفي التحوّلات الخاصة بهيكلية التيار، إنّ خروج “الرباعي” (بوصعب، عون، أبي رميا وكنعان) سيترك جروحاً بليغة في مستقبل التيار السياسي، أي أنّه لن يعود كما كان، الكتلة الأقوى بين المسيحيين..مخلياً الساحة للقوات اللبنانية التي لا تزال تسجّل نقاطاً تصاعدية لصالح تمثيلها المسيحي..
هكذا يمكن اختصار المشهد بأنّ التيار البرتقالي لم ولن يعود كما كان.وأنّ “النفَس” الذي لا يزال ينتعش به جرّاء “الكارت بلانش” الممنوحة من “الجنرال” إلى “الصهر” لن يدوم ويدوم..ما يجعل جبران باسيل أقرب إلى ما كتبه، ذات عنوان كتاب، الأديب الشاعر الياس مسّوح:”تبقى وحيداً..وتندم”، ولات ساعة مندم!!