كتب جورج علم
يزبد الخليج على وقع إعصار غزّة. والتيار الجارف المنطلق من سواحل القطاع، كاد أن يغرق بواخر في باب المندب، ويورّط دولاً، ومصالح كبرى، وينقل الصراع من ضفّة إلى أخرى، ومن شاطئ يتلوّن بلون دماء الأطفال، إلى خليج ثائر يهدّد طموحات ومخططات، جاءت من أجلها حاملات الطائرات.
مطحنة الوقت، لم تعد حكراً على مطحنة الحرب في غزّة، توسّعت الدائرة وسع الأفق الإقليمي، بدأ الحديث يتنامى حول “جبهة الخليج”. إحتفلت القيادة المركزية الأميركيّة “سنتكوم” بانضمام “أيزنهاور” إلى أسطولها حول باب المندب، لكن كؤوس الشمبانيا لم ترفع في الهواء احتفاء، لأن الهدنة “السُبيعيّة” كانت قد لفظت أنفاسها، على وقع “جماعة” يمنيّة تمكّنت من مصادرة سفينة في البحر الأحمر، قيل بأن “إسرائيلي” يستثمرها.
تحرّك مجلس الأمن على جناح السرعة… ويا للمفارقة! أكثر من 6000 طفل شهيد في غزّة لم تحرّك مشاعره العطوفة، في حين أن سفينة تجاريّة أقلقت مضاجعه، فأصدر بياناً غاضباً ندّد فيه بأشد العبارات “بالهجمات الأخيرة التي شنتها الجماعة على السفينة”.
تحرّكت حكومة “صاحب الجلالة”، وأرسل وزير الدفاع البريطاني غرانت شاس، الفرقاطة “دايموند” إلى الخليج لتنضمّ إلى “لانكستر” وثلاث سفن لصيد الألغام، وسفينة دعم في المنطقة. وحددّ المهمّة: “ردع التصعيد من جانب الجهات الخبيثة والمعادية التي تسعى إلى تعطيل الأمن البحري”.
هاج بحر الخليج مع بواكير كانون، وانتقلت الأنظار من غزّة إلى باب المندب، حيث بدأت حرب السفن، وحرب المصالح الكبرى، والتنافس على جغرافيّة المنطقة الإستراتيجيّة، ومناجمها التي ترشح ذهباً.
إنطوى يوم الأحد الفائت مثقلاً بالإستفهامات الكبرى. يعلن المتحدّث العسكري بإسم “الجماعة الحوثيّة”، يحي سريع أن جماعته نفّذت عملية إستهداف لسفينتين “إسرائيليتين” في باب المندب. استهدفت الأولى بصاروخ بحري، والثانية بطائرة مسيّرة.
بدورها، أعلنت القيادة المركزيّة الأميركيّة “سنتكوم”، أن 4 هجمات وقعت الأحد على 3 سفن تجارية تبحر في المياه الدوليّة جنوب البحر الأحمر، وأن المدمّرة “يو أس أس كارني” إستجابت “لنداءات استغاثة من السفن، وقدّمت لها المساعدة، واسقطت 3 طائرات مسيّرة كانت متجهة إلى المدمّرة خلال النهار”.
هل هي البدايات لحرب دوليّة – إقليميّة ترسم جغرافيات المصالح، وحدود الهيمنات؟
الجواب: إنها البداية لشقع مداميك التسوية الكبرى، سواء طاف الخليج، أم استكانت أمواجه. ويبقى للدبلوماسيّة الهادئة الكلام الفصل، وعلى وقع المسيّرات بإتجاه السفن، تحرّكت الدبلوماسيّة العُمانيّة، وأجرى وزير الخارجيّة بدر بن حمد البوسعيدي اتصالاً بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قال على أثره الأخير: “إن النشاط العسكري في المنطقة سيتوسّع إذا إستمر التصعيد الإسرائيلي في غزّة”.
واستكمل البوسعيدي مباحثاته بزيارة طهران الأحد المنصرم لمنع حصول “طوفان في الخليج” أدهى من “طوفان الأقصى” وأعظم من “طوفان غزّة”.
إرتكز تحرّكه إلى خلفيات، منها:
• ان الكونغرس الأميركي يستفزّ إيران. وإن نواباً جمهوريّين وديمقراطيّن يعدّون مشروع قانون يمنع طهران من الإستفادة من الـ6 مليارات دولار التي حولتها كوريا الجنوبيّة إلى مصارف قطر، بموجب “صفقة” تبادل الرهائن بين الأميركيّين والإيرانييّن.
محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين زار الدوحة في 27 تشرين الثاني الماضي، وقابل الأمير تميم بن حمد، وأعلن أن الاإستثمار بالمليارات الـ6، لا عقبات تعترضه”.
• زيارة البوسيعيدي إلى طهران تزامنت مع القلق الذي ينتاب المملكة العربيّة السعوديّة، ودول مجلس التعاون الخليجي، من الدور المتقدم الذي تلعبه “الجماعة” اليمنيّة تحت شعار “دعم فلسطينيي غزّة”.
الحكومة اليمنيّة الموالية للسعودية أكدت في بيان “أن الجماعة تقوم بهجماتها تنفيذاً لأوامر إيرانيّة، وليست لها علاقة بالقضيّة الفلسطينيّة”.
وسعى البوسعيدي في طهران للحصول على ضمانات تقضي بعدم نقل الصراع إلى الخليج. والعودة إلى قواعد المصالحة السعوديّة ـ الإيرانيّة، وضرورة تفعيلها بعد زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى الرياض، ومشاركته في أعمال القمّة العربيّة ـ الإسلاميّة حول غزّة.
• قمّة قادة دول مجلس التعاون في الدوحة، والموقف من حرب غزّة، وما يجري في الخليج. وكان هذا في صلب المحادثات التي أجراها وزير الخارجيّة العماني مع نظيره الإيراني.
• العودة إلى المفاوضات الأميركيّة ـ الإيرانيّة في مسقط للتفاهم على خارطة طريق تمنع المواجهة العسكريّة، وترسم الخطوط العريضة للتسوية الشاملة.
والخلاصة، أن الأميركيّين لا يريدون التورط في “أفغانستان ثانية” في الشرق الأوسط، وأن الإيرانيّين لن يتورّطوا إلاّ إذا ضربت مصالحهم مباشرة. يكفيهم أنهم يعملون من وراء الستارة.. ومن حجارة الأنقاض بدأت ترتفع مداميك التسوية… وقدر الحروب أن تنتهي بتسويات…