بقلم جوزاف وهبه
يتنطّح (وربّما ينفرد) رئيس البلدية الدكتور رياض يمق، في بيان غير مفهوم ومبرّر، للدفاع المستميت عن “أهداف” وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، أكان ذلك في سلوكه الثقافي، أو كان في “لغز” نقل مكتب وزارته لطرابلس، وذلك ردّاً على الحملة التي شنّتها محطّة أم تي في التلفزيونية على الوزير/حامل ثقافة المهدي المنتظر إلى الحياة الثقافية في لبنان عموماً، وإلى طرابلس العاصمة المفترضة للثقافة العربية 2024 خصوصاً..فهل “الرئيس” على حقّ في دفاعه عن أداء ومرامي “الوزير”..وهل كلاهما أصلاً على صلة حقيقية بالثقافة بمعناها الحداثوي التغييري الإنفتاحي الواسع؟..
لن نطيل الكلام عن رئيس البلدية، فالهدف هو الثقافة بوزيرها من جهة، وبمثقفي المدينة من جهة أخرى.بل نكتفي بالقول، أنّ مَن يقبّل الأرض على درج البلدية لمجرّد عودته إلى رئاسة البلدية بناءً على قرارمجلس الشورى، ومَن يقضي سنوات في مبناها المحترق دون أن يسعى للترميم ومحو آثار النار، فإنّما هو “شخص” ناقص الأهلية على مستوى القيادة، وعلى مستوى التحدّي الثقافي!
أمّا عن الوزير المرتضى، فالحديث يطول، هو الذي دخل الحقبة الثقافية من بوّابة “منع” عرض فيلم “باربي” الشهير بحجّة تعميم الرذيلة والشذوذ وتشويه عقول الجيل الجديد، ليتبيّن فيما بعد، وبقرار من الأمن العام اللبناني، أنّ الفيلم “بريء” من إدّعاءات الوزير وفريقه، وهم لم يشاهدوه ولا اطّلعوا على مضمونه مكتفين بتهمة الإشتباه:فهل يصحّ لوزير تحكمه عقليّة المنع والإشتباه أن يدير منصّة طرابلس الثقافية؟ ..وماذا عن إمساكه بملفّ “طرابلس عاصمة ثقافيّة”، هل بدا باهراً خلّاقاً في ذلك، ما انعكس حركة نقديّة تجديديّة تُسجل كعلامة فارقة في حياة طرابلس والشمال الثقافية؟
لم يحدث شيء من هذا القبيل:في اللجان التي استحدثتها الوزارة لإدارة الفعاليات الثقافية جرى إستبعاد النخب التي لها طعم ولون ورائحة، مكتفياً بلفيف من المحسوبين عليه، ومن الذين يدبكون على المنابر، والذين يُسرّون بالصورة أكثر بكثير من سرورهم واهتمامهم بالحدث.وقد صودف أن تواجد “أحدهم” في جميع اللجان دون إستثناء كأنّه “جوكر” أو ربّما حسب “معايير الوزير” له دور الخفير الذي ينظر ويسمع وينقل الوشاية ويستعمل مقصّ الرقيب عند أيّ مساس بالخطوط الحمر المفترضة!
أمّا الإنتقال من بيروت إلى طرابلس، والذي ترافق مع طبل وزمر محلّيين، فلم يتجاوز عتبة “الرعاية” حتّى وصل به الأمر إلى رعاية النشاطات المدرسية وأبسط الإحتفالات بما فيها الرياضية، وقد بدا كأنّ رعايته باتت ختماً ممهوراً على أيّ نشاط، ما رأى فيه البعض حضوراً مشكوراً ومميّزاً لمعالي الوزير، فيما هو في واقع الحال نوع من أنواع الوصاية، ليس إلّا: فهل يمكن لثقافة أن تنفث الحرية والإبداع تحت رعاية (أو وصاية) شخصية تمثّل في السلطة آلة القتل والتحريم والرقابة المسبقة والرأي الواحد؟
وفي العودة إلى أحوال مثقفي المدينة الذين استلذّوا بالرعاية والصورة، فالمشهد كان بائساً، لا بل شديد البؤس، لأنّه يعكس خفّة ولا جدّية في التعاطي مع حدث مثل “طرابلس عاصمة ثقافية للعرب”، ويعكس إكتفاءً بقشور الثقافة التي نشرها وباركها الوزير في رعاياته القياسيّة، وفي الأساس يعكس هشاشة في وعي وفهم دور الثقافة والمثقّف.ولا غرابة في ذلك عندما نرى أنّ المغتبطين بوجود معاليه في طرابلس إنّما هم من الهوامش، فيما غاب عن المسرح المثقفون الجدّيون، وهم قلّة قليلة في مطلق الأحوال!..
“الوزير” لم ينجح في جعل طرابلس (كما كانت بيروت في ما مضى..) علامة فارقة في المسار الثقافي العربي للعام 2024..كما لا يجوز لرئيس البلدية (أيّاً كان) أن يعطي شهادة “حسن سلوك” للوزير المعني باسم “جميع قياداتها وفاعلياتها وجمعياتها وكلّ ساكنيها” كما جاء في بيانه: فالطبخة لا تستحقّ كلّ هذا الإطراء والإطناب..والطبّاخ، أصلاً، لم يقدّم للملأ صحناً حداثويّاً أو جاذباً يليق بالمناخ الثقافي المطلوب!