كتب د. عبدالله بارودي
حركة مستجدة تشهدها أروقة ” تيار المستقبل” في المدة الأخيرة لفتت الأنظار ان لجهة الشكل أو المضمون. و قد لا تكون لهذه “الانتفاضة” السياسية و الاعلامية دلالات مباشرة على قرب عودة الرئيس سعد الحريري عن قرار تعليق عمله السياسي في القريب العاجل ، لكنها شئنا أم أبينا جعلت عموم الناس و أبناء “التيار الأزرق” من قيادات و كوادر و أنصار يضعون أيديهم على قلوبهم شعورًا بالفرح و السعادة و أمل أن تتحقق دعواتهم وأمانيهم بسماع و مشاهدة “خبر عاجل” عبر شاشة “المستقبل” -تحديدًا- يعلن هبوط طائرة سعد الحريري في مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، و من ثم توجّه موكبه الى “بيت الوسط” ليبدأ في -صباح اليوم- التالي -كعادته- نشاطه السياسي.
فماذا حصل في الأيام والساعات الأخيرة داخل “القلعة الزرقاء”؟
منذ اعلان الرئيس الحريري تعليق عمله السياسي بمعناه ” التقليدي” و البقاء الى جانب الناس و مساعدتهم اجتماعيًا وانسانيًا، و متابعة متطلباتهم واحتياجاتهم في الوزارات و الادارات والمصالح الرسمية ، لم يخرج “تيارالمستقبل” أبدًا عن هذا الاطار، بل كانت خطواته مدروسة تمامًا ان كان لجهة مهام أمينه العام أحمد الحريري و استمرار جولاته المكوكية المعتادة على معظم المناطق اللبنانية لمتابعة شكاوى المواطنين و سماع مشاكلهم و محاولة معالجتها قدر الأمكان ، او لجهة الاجتماعات التنظيمية الداخلية التي بقيت في اطارها المحدود و المرسوم. تغريدات من سعد الحريري و أحمد الحريري عند اللزوم و في المناسبات الخاصة ، بيانات عن “منسقية الاعلام” في قضايا تربوية و قضائية و عمّالية ، مشاركات دائمة في الانتخابات النقابية المتعددة ، اضافة الى المساعدات العينية والخدمات الاجتماعية المتفرقة التي تقوم بها و تقدّمها المؤسسات الشقيقة للتيار كجمعيتيّ “بيروت للتنمية” و “امكان” ، كل ذلك باشراف ومتابعة مباشرة من الرئيس الحريري
اندلعت الحرب ، و مع أول غارة عدوانية اسرائيلية على لبنان ، أعلن الحريري عبر تغريداته عن مواقفه الوطنية و الانسانية الواضحة و المعتادة ، و دعوة كل هيئات التيار للوقوف الى جانب أهلهم النازحين ، تبعه اعلام ” المستقبل” ببيانات متتالية للتعبير عن نفس التوجهات و الالتزام بها. تلك الخطوات كانت مفهومة للرأي العام ، باعتبار أن لبنان يتعرّض لوحشية وعدوانية وابادة جماعية، و بالتالي فان تدخل الحريري في هذه الحالة-خصوصًا- مع النزوح الهائل الى العاصمة بيروت أمر واجب وضروري ، للسيطرة والقضاء فورًا على أي محاولة لخلق فتنة مذهبية أو طائفية!
لكن ما جرى بعد ذلك ، كان مؤشر ، دفع الناس للتبصّر أكثر و تحليل المعطيات و التداول بالاستنتاجات والبناء عليها. حيث جاءت الخطوة باعلان المستشار الاعلامي للرئيس الحريري الزميل حسين الوجه عودة بث “تلفزيون المستقبل” بعد انقطاع دام لسنوات و معه كل منصات التواصل الاجتماعي التابعة له لمواكبة الأحداث و التطورات و الأخبار العاجلة التي تحصل في لبنان و المنطقة و العالم .
أيام قليلة بعدها تنشر جريدة ” الأخبار” تقريرًا فيه انتقاد وهجوم على دولة الامارات الشقيقة ودورها في لبنان ، ليأتي بعد ساعات ردّ صارخ وحاسم عبر شاشة ” المستقبل” و موقع “تيار المستقبل” الالكتروني !.. لكن الأبرز ، جاء في الساعات الأخيرة الماضية ، مع أول اطلالة سياسية بمعناها “التقليدي” لأمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري عبر قناة ” الجديد” حيث أطلق مواقف قوية ، عاقلة ، و مدروسة ، لم تخلو من السقوف العالية التي تتناسب مع الموقف و طبيعة السؤال ، فتصدرت عبارته “درب يسدّ ما يردّ ” تعليقًا على مقتل سليم عياش “الترند” طوال الليل !!.. كل هذه الظواهر أعادت أقلّه الأمل الى محبيّ الحريري والمـتأملين في عودته عمّا قريب ، و التي حسمها أحمد الحريري بقوله أن العودة مرتبطة بالظرف والمشروع!..
ثمة من يقول ، بأن “المستقبل” لا يزال في فترة التعليق السياسي ، لكن هذا لا يعني أن يقف في صفوف المتفرجين ، بل سيضع النقاط على الحروف و يصوّب البوصلة بهدف حماية لبنان و مصالحه و علاقاته العربية و الدولية . و سيبقى يمارس دوره الوطنيّ كصمّام أمان الى حين نضوج الظروف في ظلّ ما تشهده المنطقة والعالم من متغيّرات واعادة تركيب خرائط المنطقة ، و التي ربما ستفرض عودة الرئيس الحريري عن تعليق عمله السياسي ليلعب دوره الوطنيّ الجامع!..