
بقلم جوزاف وهبه
لا يكفّ حزب الله عن الإنتقال العبثي من نصر إلهي إلى نصر أسطوري أكبر وأكبر.وعلى طريقة “بيّي أقوى من بيّك” يقول الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، في إطلالته الأخيرة أنّ انتصاره في العام 2024 أقوى من إنتصار الأمين العام الراحل حسن نصرالله في العام 2006..والأدلّة على ذلك أكثر من واضحة، تبدأ من تصفية كافة قيادات الصفّ الأول والثاني والثالث، ولا تنتهي عند منع التجوّل بين الساعة الخامسة مساء حتّى السابعة صباحاً في حوالي 30 أو40 بلدة جنوبية، وذلك بأمر من الناطق الإعلامي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي..وإليكم قائمة أو علامات الإنتصار الذي أدهش العالم:
بات الحزب بلا قيادات.سقطوا جميعاً، الواحد تلوَ الآخر، في سياق أمني – إستخباراتي غير مسبوق، حيث بدا الحزب مكشوفاً، من رأس الهرم أي السيّد حسن نصرالله إلى العنصر الراكب في رابيد أو على موتوسيكل أو في شاحنة نقل صغيرة.
قضى الرمز السياسي – الديني – العسكري (نور من نور، كما جاء في احتفالية تأبينية أقيمت في مكان التفجير الكبير، في محاكاة ضعيفة لما جرى غداة استشهاد الرئيس رفيق الحريري..)، كما قضى خليفتاه المفترضان السيّدهاشم صفي الدين والشيخ نعيم القاووق، ما أبقى الحزب “بلا رأس” حيث استعين بالشيخ الضعيف نعيم قاسم لملء الفراغ على سبيل “لزوم ما لا يلزم”!
كلّ القادة العسكريين التاريخيين والمؤسّسين (أمثال فؤاد شكر وابراهيم عقيل..) قضت عليهم عمليات إغتيال في أماكن سرّية مفترضة، ولم ينجُ منهم إلّا “كلّ طويل عمر” مثل مسؤول الأمن وفيق صفا (لا يزال وضعه الصحّي مدار أخذ وردّ) أو طلال حميّة أو آخرهم محمد حيدر الذي قيل أنّه لم تنجح ضربة البسطة في النيل منه.حتّى القيادات الوسطى والمحلّية لم تسلم من الملاحقة والإغتيال، دون أن ننسى “واقعة البايجرز” التي حوّلت آلاف الكوادر إلى خارج الخدمة الفعلية، وإلى ثقل مالي – أخلاقي لنصف قرن قادم من الزمن، ستنوء تحت عبئه طهران كما الضاحية الجنوبية.
وكلّ هذه الخسائر لا يمكن لها أن تُعوّض، لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد، لأنّ أظافر إسرائيل قد باتت قاطعة، مسلّحة بالإتفاق الأخير، وخاصة بورقة التفاهم المعلن مع الولايات الأميركية المتّحدة التي بات لها في لبنان “وصيّ شرعي” بمباركة من أركان الطائفة الشيعية نفسها، ممثلة برئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي ما كان ليقطع “خيطاً رفيعاً واحداً” دون موافقة صريحة لا لُبس فيها منإيران ومن الحزب!
أمّا في السياسة فالخسارة أكثر فداحة وتأثيراً في الإمساك المزمن بزمام أمور البيئة الحاضنة والطائفة الأوسع، وفي العلاقة الفوقيّة مع باقي القوى السياسية المعارضة والحليفة:
“الطريق إلى القدس” بات شعاراً من زمن مضى ولن يعود، مهما جرت تغطية طريق المطار وغير المطار ببحر من صور القادة والشهداء.الصورة لا تصنع نفوذاً، ولا يمكن لها أن تكون “بدل عن ضائع” سوى في نوع من الإنكار والحنين، ليس إلّا!
سرديّة “توازن القوى” وبالتالي حماية لبنان والضاحية وبيروت أثبتت فشلها الذريع بمئات الغارات والمسيّرات والإغتيالات الممنهجة.لم يعد لوغو “المقاومة تحمي وتبني” ذا مصداقيّة، لا في البيئة الحاضنة، ولا في البيئة المعارضة والمعترضة!
“أن يزيح نهر الليطاني صوب الحدود أسهل من عودة مقاتلي الحزب إلى ما وراءه” كلام ردّده نصرالله، ومن بعده الرئيس برّي.ولكنّ وقائع الإتفاق المعلن وغير المعلن تقول غير ذلك بالتمام والكمال.النقاط واضحة:لا وجود للمقاومة، رجالاً وسلاحاً، جنوب الليطاني، وإنّما يقتصر الأمر على وجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وهو ما أعاد تأكيده بالفم الملآن النائب علي حسن خليل في إطلالته الأخيرة معمرسال غانم، مؤكّداً على حقّ الجيش في منع السلاح والمسلّحين، وفي مداهمة المستودعات ومراكز تصنيع السلاح إذا وُجدت!
ولعلّ الأبرز في علامات إنكسار محور طهران – حزب الله أنّ رئيس اللجنة المشرفة عسكريّاً على تنفيذ الإتفاق هو جنرال يمثّل “الشيطان الأكبر” (اللواء جاسبر جيفيرز)، وأنّ الشقّ السياسي باقٍ في عهدة المبعوث الأميركي أموس هوكشتين!
إضافة إلى الجهاد الأكبر في “وحدة الساحات”، الذي بدوره قد انتهى عمليّاً بالضربة القاضية في فكّ الإرتباط بين لبنان وغزّة، وفي ترك الساحة السورية (نظام بشّار الأسد) تنزف وحيدة دون نصير أو حليف، لا من طهران ولا من الحشد الشعبي الذي لا يتجرّأ على أكثر من الهتافات عند الحدود العراقيّة – السوريّة البعيدة!
كلّ السرديّات تساقطت مثل “ورق أيلول”، وما علينا سوى إنتظار التشييع الشعبي المهيب للأمين العام حسن نصرالله، ومعه نشيّع المقاومة الإسلامية، بانتظار ولادة حزب الله السياسي من رحم أحزان آلاف الأمّهات والآباء الذي خسروا أبناءهم (الأبطال دون شكّ) في حرب غير متوازنة(لو كنتُ أعلم..) في كلّ المعادلات والمقاييس!