بقلم جوزاف وهبه

ماذا يعني الكلام المتكرّر لمن تبقّى من قيادة حزب الله عن “الويل والثبور” في اليوم 61، أي اليوم التالي لهدنة الشهرين التي أقرّها الإتفاق المشترك لوقف الحرب بين الدولة اللبنانية وحزب الله من جهة، وبين إسرائيل وأميركا من جهة ثانية؟ وبشكل آخر، ماذا يمكن للمقاومة الإسلامية أن تفعله إذا ما قرّر الجيش الإسرائيلي عدم الإنسحاب من الأراضي اللبنانية التي احتلّها مجدّداً نتيجة الحرب الأخيرة، والتي يرفض الحزب الإعتراف بنتائجها، وهي أنّ حرب الإسناد لغزّة لم تنقذ حماس ولا الغزاويّين، بل أدّت عمليّاً إلى خسائر فادحة في جسم الحزب، قيادةً وعناصر وبيئةً، كما أدّت إلى اتّساع رقعة الأرض السليب التي كانت تقتصر على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، حيث بلغت حدود الليطاني بما فيها الخيام ووادي الحجير وعشرات القرى والبلدات المتاخمة للحدود.قوّات الرضوان لم تدخل إلى الجليل الأعلى، كما وعد الأمين العام الراحل حسن نصرالله طوال سنوات من الخطابات الحماسيّة التعبويّة لحواليعقدين من الزمن، وإنّما حدث العكس تماماً حيث أنّ العدوّ الغاشم (الأوهى من خيوط العنكبوت) قد استبدّ وتمدّد أرضاً وجوّاً وبحراً.وبدل أن تصل بنا دماء مئات بل آلاف من الشهداء الشباب إلى القدس، كما جاء في شعار “السعداء في الطريق إلى القدس”، ها نحن نفتّش عن جثثهم المتناثرة تحت دمار العديسة وكفركلا والخيام وباقي مواقع القتال والمنازلة غير المتكافئة!

في اليوم 61 ماذا سيفعل الحزب، كما هدّد مؤخّراً أمينه العام الشيخ نعيم قاسم وهل هو أساساً قادر على الفعل إذا ما أراد؟

في عزّ قوّته وتعبئته العقائدية والسياسية والعسكرية، وقف الحزب عاجزاً أمام الإنكشاف الأمني الإستخباراتي الهائل تجاه إسرائيل، بدءً من الإغتيالات اليومية التي سبقت الحرب الواسعة، مروراً بمعجزة ومجزرة البايجرز واللاسلكي، وصولاً إلى تصفية معظم القيادات وفي طليعتهم الأمين العام حسن نصرالله وخليفته السيّد هاشم صفي الدين والشيخ نبيل القاووق والقادة العسكريين أمثال فؤاد شكر وابراهيم عقيل، ووصولاً أيضاً إلى التوغّل البرّي ولو بكلفة عسكرية عالية!

وفي عزّ هيمنته السياسية، عجز الحزب عن إيصال مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية، وها هو اليوم (الناجي) وفيق صفا يجد نفسه مضطرّاً للإختيار ما بين سمير جعجع والعماد جوزيف عون، محاولاً إيهام اللبنانيين (وقاعدته حصراً) بأنّهم لا يزالون يملكون القدرة على فرض خياراتهم من خلال القول بعدم وجود فيتو على إسم قائد الجيش، وهم – عمليّاً – يحاولون التهرّب ممّا هو آتٍ، والآتي أعظم مع دخول الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض، ومع التطورات العسكرية المرجّحة والتي يمكن أن تصيب اليمن وتطال طهران، ومع المزيد من التفكّك داخل البيئة الشيعية التي بدأت ترتفع صرخاتها وأسئلتها حول إمكانية البناء والتعمير والتعويض، وحول “أوهام” القدرات الإلهيةالعسكرية للحزب، لوحدة الساحات، ولدور إيران في حماية أذرعها وعواصمها الأربعة!

حزب الله – كما نجح في توصيف حالته الراهنة النائب السابق فارس سعيد – قد بات أشبه بسيّارة تدهورت ولم يبقَ منها سوى الزمّور، وهو يستعمل لذلك عدّة “أبواق” علّها توازي خطابات وإطلالات نصرالله في التأثير والرهبة، من الأمين العام الشيخ قاسم، إلى الناطق الإعلامي الجديد ما بعد الحاج محمد عفيف، إلى رجل الأمن والإرتباط صفا، إلى باقي الوجوه أمثال قمّاطي وفضل الله ومحمد رعد، وحتّى وزيري الثقافة والعمل محمد وسام المرتضى ومصطفى بيرم!

ولكنّ الواقع شيء، وتهديدات رجالات الحزب شيء آخر تماماً:على أرض الجنوب خسرت المقاومة حربها، وقد تترجم ذلك في الإتفاق المعمول به ولو بخطى بطيئة.في البيئة الحاضنة، لم يعد هناك مَن يقنعها بأنّ “النصر الإلهي” قادم لا محالة، وبأنّه ثمّة توازن استراتيجي يلجم العدو عن هدم بيوتهم في الضاحية والجنوب والبقاع مثنّى وثلاث.سوريا، الحضن الدافئ للممانعة، لم تعد لا سالكة ولا آمنة، ليس على عناصر الحزب فقط، بل على الوجود الإيراني في البحر المتوسّط.أميركا، الشيطان الأكبر، لم تعد مجرّد قواعد موزّعة عند حدود العراق – سوريا، بل أصبحت الراعي المباشر (المبعوث السياسي أموس هوكشتين، والمراقب العسكري الجنرال جاسبر جيفرز) لكلّ خطوة في لبنان، من إسم رئيس الجمهورية، إلى حركة الدخول والخروج في مطار رفيق الحريري، إلى كلّ حاوية تطأ أرض أرصفة مرفأ بيروت..وكلّ هذا “الإنتهاك المفترض” للسيادة اللبنانية إنّما تمّ ويتمّ برعاية وموافقة الثنائيالشيعي، وليس بدعوة من القوات اللبنانية أو المعارضة أو الساسة المحسوبين على الغرب!

لم تعد تنفع مع الحزب “ورقة التوت”.والصراخ على المنابر أو عبر وبعض وسائل الإعلام (بوب وأخواته..) لا يعوّض ما قد خسره الحزب، ولا يستر عريه.هو قد فقدَ دويلته بلا رجعة.والدولة اللبنانية ستقوم ولو بعد حين..ويبقى السؤال الأبرز والأشدّ رعونة على وفيق صفا:يا حاج، إذا ما دعوتَأنتَ أهل الضاحية للبقاء في أماكنهم، ودعاهم الناطق الإعلامي باسم العدو أفيخاي أدرعي إلى ترك منازلهم خلال 15 دقيقة من الوقت، والتوجّه على بُعد 500 متر..أتُراهم، لمَن يستمعون؟

حان وقت العقل والتعقّل.وانتهى زمن الخرافة الدينية وسرديّة النصر الإلهي والصلاة معاً في القدس والدفاع المستميت عن مقام السيّدة زينب.المهدي المنتظر يتعذّر وصوله، فلنبنِ سويّة وطناً يتّسع للجميع بالعدل والحريةوالبحبوحة!  

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top