الاستراتيجية الدفاعية في لبنان: بين مطالب حزب الله ورفض القوى السيادية

يواجه لبنان اليوم تحديات معقدة تتعلق بمستقبل استراتيجيته الدفاعية ودور سلاح حزب الله، خصوصًا بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي خلفت خسائر كبيرة على مختلف المستويات. قبل هذه الحرب، كانت القوى السياسية اللبنانية ترى في الاستراتيجية الدفاعية مدخلًا ضروريًا لتنظيم دور سلاح حزب الله ووضعه تحت سلطة الدولة، لكن بعد الحرب، أصبح الحزب نفسه من أبرز المطالبين بها، كما عبّر عن ذلك نائب أمينه العام نعيم قاسم في خطابه الأخير، رغم استمرار المعارضة الداخلية لهذه الفكرة.
في المقابل، ترى القوى السياسية المناوئة لحزب الله، والتي تُعرف بـ”القوى السيادية”، أن الظروف تغيرت ولم تعد الاستراتيجية الدفاعية مقبولة كخيار مطروح، خصوصًا في ظل خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي أكد على حق الدولة وحدها في حماية السيادة اللبنانية والدفاع عن الوطن ضد الاعتداءات الإسرائيلية.
في هذا السياق، شدد عضو كتلة الكتائب اللبنانية، النائب سليم الصايغ، على ضرورة إنهاء ازدواجية السلاح، بحيث يكون السلاح الشرعي محصورًا بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية، بما يتماشى مع البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
إن القرار الدولي 1701، الذي تم تبنيه بعد حرب 2006، لا يزال المرجعية الأساسية لضبط الوضع الأمني في الجنوب، ويؤكد على ضرورة التزام كل الأطراف ببنوده، لكن استمرار وجود سلاح حزب الله يثير تساؤلات حول تطبيقه الفعلي. في هذا الإطار، يشدد الصايغ على أهمية تحويل الميليشيات المسلحة إلى العمل المدني، ووضع خطط اجتماعية واقتصادية تتيح للمقاتلين السابقين الانخراط في المجتمع كقوة إنتاجية، بدلًا من الاستمرار في العمل المسلح خارج إطار الدولة.
كذلك، إن التباين في المواقف السياسية حول مستقبل السلاح والاستراتيجية الدفاعية يعكس خلافًا أعمق حول شكل الدولة ودورها الأمني، حيث يرى الوزير السابق رشيد درباس أن الزمن تجاوز بعض المفردات القديمة، مشيرًا إلى أن حزب الله، رغم احتفاظه بسلاحه، بدأ بالتحول إلى حزب سياسي أكثر من كونه قوة عسكرية مستقلة. ويعتبر درباس أن تصريحات الشيخ نعيم قاسم، التي أكد فيها عدم وجود الحزب جنوب الليطاني واستعداده لمناقشة وضعه شمال الليطاني تحت سقف اتفاق الطائف، تعكس تحولًا تدريجيًا في نهج الحزب تجاه الدولة اللبنانية.
في النهاية، يبدو أن مسألة الاستراتيجية الدفاعية لم تعد مجرد نقاش سياسي، بل أصبحت مرتبطة بمستقبل لبنان وأمنه الداخلي وعلاقاته الخارجية. ومع استمرار الانقسامات حول هذه القضية، يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد حل يوازن بين سيادة الدولة اللبنانية ومتطلبات الأمن القومي، دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد داخلي أو تفاقم الأزمات القائمة.

المصدر: الشرق الأوسط، يوسف دياب

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top