“بزرجمهر” ليس هنا .. نواف سلام “المتفرج” الأكبر !!

بقلم خالد صالح

ما حدَث في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة يُذكّرني بقصيدة شاعر القطرينu “خليل مطران” عن “مقتل بزرجمهر” التي مطلعها :
سجّدوا لكسرى إذ بدَا إجلالا
كسجودهم للشمس إذ تتلَالاَ ..
قصة القصيدة تدور حول غضب كسرى على وزيره “بزرجمهر” فحكم عليه بالموت، وفي يوم تنفيذ الحكم هبّ الناس من كل حدب وصوب، ليشهدوا مقتل المصلح الكبير، وأقبل كسرى ملوحًا للناس وهو يجلس على عرشه، وحوله قادته، ويؤتى بالوزير يسوقه جلاده الذي أخذ ينادي هل من شافع للوزير؟، فيأتيه جواب الجموع: لا، لا.. ويلتفت كسرى نحو الجموع، فيرى فتاة جميلة تشقّ الصفوف في هيئة ومظهر يعدّه الفرس عارًا، فيرسل إليها من يسألها عن سبب مجيئها على تلك الهيئة، فيأتي جوابها حكمًا صارمًا يدين الحاكم المستبد الذي هو صورة أخرى للشعب الخانع المستسلم، الذي تجرّد من رجولته:

مَوْلاَي يَعْجَبُ كَيْفَ لَمْ تَتَقَنَّعِي
قَالَتْ لَهُ: أَتَعَجُّبًا وَسُؤَالاَ!
أُنْظُر وَقَد قُتِل الحَكِيمُ فَهَلُ تَرَى
إِلاَّ رُسُومًا حَوْلَهُ وَظِلاَلاَ
فارْجِع إِلَى المَلِكِ الْعَظِيمِ وَقُل لَه
مَاتَ النَّصِيحُ وَعِشْتَ أَنْعَمَ بَالاَ
وَبِقيِتَ وَحدَكَ بَعدَهُ رَجُلًا، فَسُدْ
وَارْع َ النِّسَاءَ وَدَبِّرِ الأَطْفَالاَ
مَا كَانِتِ الْحَسنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا
لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ ..

السقوط الكبير

من يُراقب بداية عهد الرئيس”جوزاف عون” ويقارنها ببداية عهد “إميل لحود” يقرأ الكثير من أوجه التشابه بينهما، ولعل أبرز هذه الوجوه، محاولة استعادة “النظام الرئاسي” بالممارسة والقفز فوق النص الدستوري، فإن كان “لحود” قد نفّذ أوامر النظام السوري حينذاك وأقصى الرئيس الشهيد رفيق الحريري “بالتحايل” وأتى بـ “سليم الحص” ضعيفًا متهالكًا ليسيطر عليه .. فإن الرئيس جوزاف عون يستقوي بـ “الأميركي” على نظيره المستقوي أيضًا بالأميركي، وشد الحبال الذي حصل في واشنطن قطفه نواف سلام “خيبة” في بيروت ..
سقط “نواف سلام” لأنه لم يكن قائدًا للسفينة منذ البداية !!، سقط “نواف سلام” لأنه أدار “الأذن الطرشاء” لبيئته ومجتمعه فوقف “عاريًا” تتقاذفه رياح “كلنا إرادة” من جهة ومحاولة “تفريغ” موقعه من جهة، وهذا الأمر كان الحلم الأكبر لكل من سَكَنَ بعبدا منذ الـ 1989 وحتى اليوم ..
سقط “نواف سلام” حين وضع “رقبة” القرارات الحكومية تحت “سكين” التصويت، وهو لا يملك القدرة على التعطيل أو المناورة أو حتى التحجج بـ “الميثاقية” لأن الأقوياء على طاولة مجلس الوزراء “حسبوها بميزان الدهب” واقتلعوا منه موافقة على الرغم من عدم رضاه لا على الاسم ولا على الخطة ولا على شكل “التخريجة” .. لكنه ارتضى هذا الواقع وقبل أن يتنازل عن “قيمة” موقعه فـ “جنت على نفسها براقش” !! ..

التحفظ غير المجدي

كان لافتًا تصريح رئيس الحكومة نواف سلام بعد الجلسة حين قال “تحفّظت على تعيين كريم سعيد حاكمًا لمصرف لبنان وعليه منذ الآن اعتماد السياسة المالية لحكومتنا والالتزام بقضية الودائع”، ماذ كان يقصد بـ “تحفظت” ؟، أنت رئيس السلطة الإجرائية في لبنان ليس دورك “التحفظ”، التحفظ يمكنك أن “تنقعه بماء خيبتك وتشربه قبل النوم، لكن مصير البلاد لا يمكن أن يُدار بـ “التحفظ” !!
فرض الفريق الداعم لـ “كريم سعيد” رأيه على طاولة مجلس الوزراء من دون أي اعتبار لرئيس الحكومة، و “جرّوه” إلى “منازلة التصويت” ليقينهم أن الغلبة لهم وسحبوا من تحته بساط “الميثاقية” في تخريجة مثالية عبر تصويت “وزير الداخلية” لصالح سعيد، وترك “سلام” على قارعة الطريق وحيدًا هو و “تحفظه” غير المجدي ..
أحرجوه كثيرًا وجعلوه يخسر معركة التعيين كما يريدون وفي سيناريو مثالي لـ “تهشيم” إضافي في مقام رئاسة الحكومة ودورها، لكن هل يمكنه أن يستمر على هذا المنوال ؟، و هل سيكون بوسعه المواجهة فيما هو قادم؟..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: