بقلم جوزاف وهبه

ربّما القانون المعمول به يعطي “الرئيس” صلاحيّات شبه مطلقة قد تحدّ منها أحياناً تدخّلات المحافظ أو وزير الداخليّة.ربّما درجت العادة في لبنان أن يُمسك “الرئيس” بزمام الأمور عندما يأمن إلى جانبه من الأعضاء “النصف زائد واحد” كما نجح في إدارة بلديّة طرابلس الرئيس الراحل رشيد جمالي، فيما أخفق رؤساء الولايتين التاليتين من بعده:الرئيس نادر غزال أمضى 5 سنوات من ولايته “دقّي واعصري” مع أكثريّة الأعضاء إلى أن خرج في السنة الأخيرة لمصلحة المهندس عامر الرافعي..والرئيسان أحمد قمر الدين ورياض يمق لا يزالان (حتّى الرمق الأخير) يتناوبان على كرسي الرئاسة حسب تقلّبات أكثرية أعضاء المجلس، ما يجعل الحاجة ملحّة (بل من مصلحة المدينة) ألّا يترشّح أيّ منهم بدءً بالدكتور يمق الذي يتردّد أنّه يستعدّ لتشكيل لائحة ما!
التجربة علّمتنا أنّ البلديّة “رئيس” بشروط جديدة عالية السقف:أن يدخل إلى القصر البلدي ومعه فريق عمل من أكثريّة الأعضاء، ما يحدّ من التدخّلات السياسية حيث تبقى عاجزة عن عرقلة عمله أو إسقاطه عندما تتعارض المصالح، كما حصل في حالات الغزال وقمر الدين ويمق..وأن يمتلك رؤية تقوم على فنّ الممكن، وعلى التفرّغ الكامل (لا السفر الدائم ولا الإنشغال بالأعمال الخاصّة..) وعلى القدرة في نسج شبكة علاقات مع بلديات وجهّات مانحة خارجيّة تستفيد منها البلدية لإقامة المشاريع في ظلّ العجز الموضوعي عن جمع الرسوم الكافية، وعجز الدولة اللبنانية عن التمويل بحكم الوضع الإقتصادي المتردّي.أيّ “رئيس” لا يمتلك خطّة تمويل بديلة فاشل حتماً..وأيضاً أن يمتلك الشجاعة لمواجهات مختلفة على عدّة جبهات، ولعلّ أبرزها “مافيا المولّدات” التي باتت أقوى من كلّ السلطات بحكم التواطؤ والضعف الرسميين، وأيّ برنامج عمل لا يضع في أولويّته إسترجاع حقوق المواطنين بتركيب العدّادات وبالإلتزام بالسعر الرسمي لوزارة الإقتصاد يعني أنّ المرشّح غير صالح لهذا الزمان (الوضع الأمني المتفلّت) ولا لهذا المكان (بلديّة طرابلس الأكثر تعقيداً).والشجاعة تعني أيضاً ألّا يجرؤ أيّ متنفّذ (أو سياسي) على التطاول على البلديّة فارضاً شروطه أو هيبته، كما حصل مراراً.فالرئيس المطلوب عليه أن يستعدّ لحروب صغيرة طوال 6 سنوات تتطلّب الكثير من الحنكة والجرأة ومعرفة الضغط (عند الحاجة) على الجهات المعنيّة في وزارة الداخلية والمحافظة والأجهزة الأمنيّة..وبالتالي يمكن الإستنتاج أنّ الكثير من الأسماء المتداولة لرئاسة هذه اللائحة أو تلك قد تكون برّاقة من حيث المهنة أو الصيت والشهرة، ولكنّها لا تصلح لدهاليز وأنفاق بلدية طرابلس.وهذا ما على سياسيّي المدينة (وخاصّة الجدد منهم) أن يدركوه قبل أن يبدأوا في غربلة الأسماء:ما كلّ ما يلمع ذهباً، ولا كلّ مَن نجح في عمله المهني أو الإجتماعي ينجح في رئاسة بلديّة العاصمة الثانية.وبالأساس الأساس ليس المطلوب أن يكون الرئيس (والأعضاء) موالين بالمطلق لهذا الطرف أو ذاك، وإنّما أن يتّصفوا بالكفاءة التي تؤهّلهم لكي يكونوا جنوداً مجهولين في خدمة الناس، وفي مواجهة الصعاب والمشاكل والتحدّيات!
الأسماء المتداولة كثيرة.نستعرضها بالتسلسل الأبجدي (وليس بالجدارة) مكتفين هذه المرّة في طرح الأسئلة العامة، على أن نستفيض متى تتبلور الصورة أكثر فأكثر:الدكتور خالد تدمري، المحامي خالد صبح، الناشط المدني سامر دبليز، السياسي الشمالي سامر طارق كبارة، نقيب أصحاب الأفران في لبنان الشمالي طارق المير، رجل الأعمال فيصل البقّار، المهندس مصطفى فخر الدين، العميد المتقاعد محمد الفوّال، رجل الأعمال المهندس وائل زمرلي والمهندس المعماري وسيم ناغي..وربّما هناك أسماء أخرى.
وكما الأسماء كثيرة، كثيرة هي الأسئلة:مَن الأقدر بين هؤلاء (وغيرهم) على الإمساك بكرة النار دون أن يرميها على من يديه في منتصف الطريق؟ مَن يحمل “بروفايل” الرئيس القوي القادر على موازنة لعبة الداخل وفتح النوافذ على الخارج؟ مَن يجمع بين السياسة (لا أفق للنجاح بلا سياسة) والتنمية والحداثة في الإدارة والتخطيط؟ مَن يتمكّن من الوصول على رأس لائحة له فيها شركاء حقيقيون، وليس تجميع أعضاء “من كلّ سياسي..عصا”؟ مَن يُحسن تقسيم أوقاته إلى ثلاث: ثلث في شؤون البلديّة، ثلث في الشوارع بين الناس، وثلث في زيارات هادفة مثمرة بلا مقابل إلى الخارج؟
ليت المرشّحين الجدّيين يُقدِمون على الإجابة على هذه التساؤلات قبل الإسترسال في تشكيل لوائحهم، حتّى يتمكّن ناخبو المدينة من تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود..فلا يندمون!!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: