إصلاح المصارف على الورق… والتنفيذ مؤجّل!

أحال مجلس الوزراء اللبناني إلى المجلس النيابي مشروع قانون لإصلاح وتنظيم وضع المصارف، غير أن تنفيذ بنوده يبقى معلّقًا حتى صدور قانون خاص بمعالجة الفجوة المالية، في خطوة تشكّل جزءًا من حزمة إصلاحات تشريعية ثلاثية، إلى جانب تعديل قانون السرية المصرفية، تمهيدًا لاستعادة التوازن المالي في البلاد.

وجاءت الخطوة الحكومية في توقيت دقيق، قبيل توجه وفد رسمي لبناني إلى واشنطن لحضور الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد والبنك الدوليين، في محاولة لإثبات الجدية في المضي بإصلاحات بنيوية قد تمهد لتوقيع اتفاق تمويلي جديد يعيد لبنان إلى مسار التعافي المالي والنقدي.

مشروع إصلاح المصارف: إطار قانوني حديث ومطلوب

المشروع، الذي أقرّه مجلس الوزراء بعد نقاشات طويلة ومداخلات محتدمة على ثلاث جلسات، يشكل الخطوة الثانية بعد إقرار تعديلات السرية المصرفية، ويهدف إلى وضع إطار قانوني عصري يتماشى مع المعايير الدولية للتعامل مع الأزمات المصرفية، وعلى رأسها الأزمة الراهنة التي ألحقت أضرارًا جسيمة بالاقتصاد وبالمودعين.

ورغم تمرير المشروع بصيغته المعدّلة حكوميًا، يُتوقّع أن تدخل عليه تعديلات جديدة في اللجان النيابية، خصوصًا لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، قبل بلوغه الهيئة العامة. لكن المادة 37 منه تنص صراحة على تعليق تطبيقه حتى إقرار قانون معالجة الفجوة المالية.

84 مليار دولار… ومصير غامض

مشروع القانون الجديد يبقى مرهونًا بخطوة أكثر حساسية، تتمثل بإعداد قانون الفجوة المالية، الذي يعالج مصير نحو 84 مليار دولار من أموال المودعين، ومقاربة التوظيفات المصرفية لدى مصرف لبنان، التي تقارب 80 مليار دولار.

وفي وقت حددت الحكومة السابقة الفجوة المالية بـ72 مليار دولار، يشدد خبراء ماليون على ضرورة إصدار القانون المرتقب لتحديد الخسائر وتصنيف الأصول وتوزيع الأعباء بشكل عادل بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف والمودعين.

مخاوف من استبعاد الأموال العامة

إشارة المشروع إلى “الحد من استخدام الأموال العامة” في عملية الإصلاح المصرفي أثارت تساؤلات ومخاوف واسعة، خصوصًا من أن تتنصّل الدولة من مسؤولية تغطية ديونها تجاه المصرف المركزي، والمقدّرة بـ48 مليار دولار، إلى جانب الخسائر الأخرى المتراكمة، ما يطرح علامات استفهام حول كيفية توزيع الخسائر.

مواد القانون: حماية جزئية للودائع

يتضمن المشروع 37 مادة موزعة على 10 أبواب، تحدد صلاحيات الهيئة المصرفية العليا، وآلية التقييم والتصفية، وترتيب الدائنين. ورغم التطمينات التي تضمّنها النص بشأن أولوية حماية صغار المودعين، فقد اقتصرت الحماية الكاملة على ودائع بعض الجهات الرسمية والخاصة، مثل الضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع وصناديق التقاعد، بينما تبقى ودائع الأفراد رهن التصفية وإجراءات امتصاص الخسائر.

المصارف الأجنبية والإنقاذ الداخلي

من أبرز البنود في المشروع، توسيع نطاقه ليشمل المصارف اللبنانية في الخارج والفروع الأجنبية في الداخل، ومنح الهيئة المصرفية العليا صلاحيات واسعة لإعادة الهيكلة، وصولًا إلى الإنقاذ الداخلي (bail-in) أو نقل موجودات المصرف إلى مؤسسة أخرى.

ما بعد المشروع: ضرورة تشريعات مكملة

بحسب وزير الإعلام بول مرقص، فإن الحكومة ستباشر العمل على إعداد قانون معالجة الفجوة المالية، في مسعى لإعادة الانتظام المالي. وأكد أن مسار التعافي يتطلب تشريعات متكاملة ترتكز على ثلاث ركائز: إصلاح السرية المصرفية، هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية، بما يكفل حقوق المودعين ويعيد الثقة إلى القطاع المالي.

المصدر : علي زين الدين- الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: