
أعطيت إشارة الانطلاق للسباق الانتخابي نحو البرلمان العراقي، بعد أن صوّت مجلس الوزراء على تحديد يوم 11 تشرين الثاني المقبل موعدًا لإجراء الانتخابات التشريعية، في ظلّ تغيّرات إقليمية عميقة تشهدها دول الجوار، من شأنها أن تعيد خلط الأوراق السياسية والتحالفات في العراق.
ووفقًا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي أنهت عملية تحديث سجلات الناخبين – وهي خطوة محورية في المسار الانتخابي – فإن ما يقارب 30 مليون عراقي باتوا مؤهلين للتصويت من أصل 46 مليون نسمة، على أن تُجرى الانتخابات قبل 45 يومًا من انتهاء الولاية البرلمانية الحالية، التزامًا بالقوانين العراقية.
ورغم أن المفوضية تُصنَّف كهيئة مستقلة خاضعة لرقابة مجلس النواب، إلا أن اتهامات الفساد تُلاحقها باستمرار، لا سيما مع تسلل بعض الأحزاب إلى مفاصلها، ما جعلها – بحسب بعض المراقبين – نسخة مصغّرة عن البرلمان نفسه.
وكانت هذه التهم من بين الأسباب التي دفعت زعيم “التيار الصدري” السيد مقتدى الصدر إلى إعلان عزوفه عن خوض الانتخابات المقبلة، بعد أن أعاد تسمية تياره ليصبح “التيار الوطني الشيعي”، مطالبًا بتمديد ولاية الحكومة الحالية لعام إضافي، وداعيًا أنصاره إلى عدم الترشح أو التصويت، معتبرًا أن زج العراق في أتون الصراعات الإقليمية تسبّب بكوارث لا علاقة للعراقيين بها.
مصادر مقربة من الصدر أوضحت لـ”نداء الوطن” أن البيئة السياسية الحالية في العراق لا تصلح لإحداث أي إصلاح حقيقي، وسط استفحال الفساد، وأن مشاركة التيار في العملية الانتخابية تعني المساهمة في ترسيخ منظومة فاسدة.
وكان “التيار الصدري” قد حصل على 73 مقعدًا في انتخابات عام 2021 من أصل 329 مقعدًا، لكن الصدر انسحب من المشهد السياسي في يونيو 2022 ووجّه نوابه إلى الاستقالة من البرلمان، ما ترك الساحة خالية أمام “الإطار التنسيقي” الموالي لطهران، في وقت بات فيه الصدر يشكّل مصدر قلق للجمهورية الإسلامية بعد أن كان حليفًا سابقًا.
الباحث السياسي داوود الحلفي وصف الانتخابات المقبلة بأنها “مفصلية”، ودعا إلى انتخاب مرشحين نظيفي الكفّ، غير مرتبطين بالخارج أو الجماعات المسلحة. كما طالب المفوضية بالتحرر من سطوة الأحزاب الحاكمة، معتبرًا أن بقاء ممثلين لتلك الأحزاب داخل المفوضية يهدد نزاهة النتائج.
ورغم أن نسبة المشاركة في الانتخابات الماضية بلغت نحو 42%، لا يتوقع الحلفي نسبة أعلى في حال أعادت الأحزاب ترشيح الأسماء نفسها التي تلاحقها اتهامات بالفساد والعمالة وسوء الإدارة. لكنه أبدى تفاؤلاً حذرًا، معتبرًا أن التطورات الإقليمية، خصوصًا التفاهمات المحتملة بين إيران والولايات المتحدة، قد تفتح الباب أمام تغيير فعلي في تركيبة البرلمان، إذا ترافقت مع بروز شخصيات وطنية تحظى بثقة الشارع.
باختصار، تشكّل الانتخابات المقبلة اختبارًا حقيقيًا لمستقبل العراق السياسي، وسط تفكك واضح في النفوذ الإيراني الإقليمي، ما قد ينعكس على موازين القوى داخل البرلمان المقبل. وستكون نتائج مفاوضات عُمان بين طهران وواشنطن، وما ستسفر عنه من تحوّلات، أحد المحددات الرئيسية لهوية السلطة التشريعية القادمة، وربما لمصير العملية السياسية برمّتها في “بلاد الرافدين”
المصدر:نايف عازار – نداء الوطن