
بقلم جوزاف وهبه
كما يحلو للبعض أن يضبط ساعته الثمينة على توقيت ساعة بينغ بانغ اللندنيّة الشهيرة، كذلك تنضبط الساحة السنّية في لبنان على “التوقيت السعودي”، وذلك وفق دقّة السفير وليد البخاري وصرامة المبعوث الأميري يزيد بن فرحان!
كلّ الأمور تبدو مدروسة، مرسومة، مخطَّط لها:من زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام إلى دمشق واجتماعه الناجح مع الرئيس السوري أحمد الشرع حول النقاط الخلافيّة المزمنة بين البلدين..إلى وقائع سحب سلاح حزب الله في لبنان (شمال وجنوب وشرق وغرب الليطاني..)، وصولاً إلى ترسيمات الإستحقاق البلدي الداهم في أيّار القادم، وخاصّة في ما يخصّ المدن الكبرى كالعاصمة الأولى بيروت، والعاصمة الثانية طرابلس، وربّما باقي المدن والبلدات المؤثّرة في قضاء المنية الضنيّة وفي محافظة عكار!
أولى العلامات أطلقتها جريدة “الشرق الأوسط” في إشارة إلى أنّ الرئيس سعد الحريري سوف يصدر بياناً يؤكّد فيه على حياد تيّار المستقبل في كافة المعارك البلدية ودعوته أنصاره إلى عدم التدخّل في هذا الإستحقاق.وقد فعل حقّاً ذلك الرئيس الحريري، واستتبعه رئيس جمعيّة “إمكان” أحمد هاشميّة ببيان مماثل بما يقطع الشكّ باليقين بعدم تدخّل “المستقبل” في هذه الإنتخابات، لا من فوق الطاولة ولا من تحتها.
وكذلك فعل أيضاً الرئيس نجيب ميقاتي الذي استبق الجميع بالتصريح مراراً أنّ تيّار العزم على مسافة واحدة من جميع المرشحين واللوائح، داعياً باقي السياسيين إلى الحذو حذوه في عدم التدخّل، لا تأليفاً ولا ترشيحاً، تاركين للمواطنين “حقّ الضياع..والإرتباك والتخبّط”..فهل يمكن لذلك أن يستمرّ على هذه الحال، أم أنّ هناك “تصوّراً سعوديّاً” لمآل الترشيحات والنتائج يظهر إلى العلن في الوقت المناسب، كما حصل عشيّة إنتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون، وصباح تكليف رئيس الحكومة نوّاف سلام؟
في بيروت تدور الإتّصالات حول تحقيق المناصفة في المجلس البلدي، ولا يبدو أنّ هناك صعوبة في ذلك، وهو ما تصرّ على حصوله المملكة من دون الحاجة إلى “تدخّل” الحريري، إستمراراً لسياسة الإقصاء المعتمدة.وكما نجحت في ملء فراغ قصر بعبدا، وفي إبعاد “نادي الرؤساء السابقين” عن السراي الكبير، لا بدّ أنّها ستنجح في تشكيل إجماع سنّي – شيعيّ – مسيحي – درزي يوصل بلدية العاصمة إلى برّ المناصفة، دون عناء يُذكر!
ومن بيروت إلى طرابلس، تبدو القيادات السنّية المحلّية وكأنّها في حالة إنتظار “كلمة السرّ”:ميقاتي نأى بنفسه، اللواء أشرف ريفي يتمهّل في اتّخاذ قراره النهائي، النائب فيصل كرامي يتحرّك بهدوء لافت على أكثر من جبهة بالتنسيق مع نائب جمعيّة المشاريع طه ناجي.
وربّما وحده النائب إيهاب مطر ينشط بين المدينة والميناء، بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية، بحثاً عن تشكيلات مدنيّة يمكن لهم دعمها دونما الإفصاح العلني عن ذلك، كما هي الحال مع جمعيتي “عمران” و”حرّاس المدينة”، وكما هي حال المهندس فادي السيّد في الميناء الذي يواجه لائحة المهندس عامر حدّاد، وربّما لائحة ثالثة يسعى إليها سعد عبد القادر علم الدين بعد تعثّر تحالف علم الدين – السيّد لرفض هذا الأخير مبدأ المداورة في الرئاسة بعد 3 سنوات.
وإذا كانت هناك قدرة خارجيّة على ضبط الإيقاع الإنتخابي في العاصمتين الأولى والثانية، هل يمكن لذلك أن يمتدّ إلى البلدات السنّية الأخرى، كالمنية وبخعون وسير والسفيرة مثلاً؟
في الريف السنّي يبدو المشهد متفلّتاً، وإن باتت المعارك محكومة بانعدام التدخّل العلني لكلّ من تيّار المستقبل وتيّار العزم ما ينعكس سلباً على بعض النوّاب ولوائحهم، وبالتالي إيجاباً على خصومهم المفترضين:
في المنية، يبدو النائب أحمد الخير بلا غطاء حريري – ميقاتي (خاصة بعد بيان تيّار المستقبل الداعي إلى الإلتزام بتوصية الرئيس الحريري)، ما يجعل معركة خصومه أوفر حظّاً، وخاصة إذا ما تمكّن النائبان السابقان عثمان علم الدين وكاظم الخير من صوغ توافق (نفى حصوله هذا الأخير حتى الساعة في بيان له..) حول 3 مرشّحين محتملين لرئاسة البلديّة ورئاسة الإتحاد:المحامي بسّام رملاوي، المهندس حسام ملص أو رجل الأعمال عماد مطر..وإذا ما أصرّ الحاج كمال الخير على ترك حرّية الإختيار لمناصريه!
في بخعون، يبدو أنّ مساعي منسّق تيّار المستقبل هيثم الصمد إلى التوافق قد وصلت إلى حائط مسدود، تاركاً المعركة مفتوحة وحادّة بين نائبي المنطقة والبلدة والعائلة الواحدة:جهاد الصمد وعبد العزيز الصمد..إنّها “معركة وجود” بالنسبة للفريق الأوّل، و”معركة الضربة القاضية” بالنسبة للفريق الثاني الذي تمكّن في الإستحقاق النيابي الأخير أن يتقدّم في مجموع أصوات الدائرة الإنتخابية على “النائب المخضرم” جهاد الصمد!
في سير، يسعى النائب السابق سامي فتفت إلى التوافق مع عائلة “علم” بعد خسارة مقعده النيابي، ويبدو أنّ التأليف البلدي يسير إيجاباً بهذا الإتّجاه.وفي السفيرة يخوض إبنا العائلة الواحدة معركة “أوزان” ما بين الطرفين، مع الإشارة إلى التقدّم الذي أحرزه النائب السابق أسعد هرموش على حساب منافسه المفترض بلال هرموش، حيث أعلن من دارته لائحة “السفيرة معاً” وتقوم على المداورة في الرئاسة (كلّ 3 سنوات) بين العائلتين الوازنتين يخني ولاغا، ما يجعل معركة المرشّح السابق بلال صعبة، لا بل شبه مستحيلة!
حتى الساعة، لم تتجاوز الإشارات السعودية حدود التدخّل على المستوى العالي في بيروت وطرابلس، بانتظار التوقيت المناسب للتدخّل في التفاصيل، وربّما في التحالفات والأسماء، عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، تحت شعار لم يعد خافياً على أحد:لا صوت يعلو فوق صوت الرياض، ليس في الساحة السنّية فقط، وإنّما في كلّ الساحات اللبنانيّة!