في الفوضى “البلديّة” القائمة!

بقلم جوزاف وهبه

في البدء، ما كان لهذه الفوضى أن تعمّ وتنتشر، من واقعة الميناء، إلى استقالة نصف أعضاء مجلس بلدية طرابلس (بمَن فيهم الخائن المفترض، على حدّ تعبير بعض المناضلين الهواة) لو أنّ في هذه المدينة “قيادات”، دونما الحاجة إلى تكرار بيت الشعر الشهير:”ما كانت الحسناء ترفع سترها…”.و”الحسناء” المنكوبة، هذه المرّة وللأسف كما في كلّ المرّات، هي طرابلس بالذات!

قيادات المدينة المفترضون هم نوّابها، وهم بشكل أو بآخر نُخبها ومثقفوها والمهتمّون بالشأن العام..فماذا هم بالفاعلين؟

نوّاب المدينة (الذين انقسموا بين أربعة وواحد) إنّما خاضوا المعركة برؤوس أصابعهم (رِجل إلى الوراء ورِجل إلى الأمام) وسط انتظار طويل لكلمة سرّ ما، ربّما تأتيهم (فتريحهم) من السفير السعودي وليد البخاري، ولكنّها لم تأتِ، ارتباطاً بالسياسة السعودية العامة التي تتجنّب الخوض في الأسماء والتفاصيل:جرّبوا مع الدكتور خلدون الشريف، ثمّ قالوا أنّه غير مرغوب به، فيما رفع (هو) في وجههم لائحة من الشروط التي تؤهّله للإمساك بالبلدية والوصول بها إلى برّ مصالح المدينة والناس.إنتقلوا إلى المهندس أحمد مصطفى ذوق، ليتخلّوا عنه لمصلحة عبد الحميد كريمة بحجّة “اللقاء الذي عُقد في بيروت عشيّة الإستحقاق بين السفير البخاري ووفد جمعية المشاريع الخيرية”، وقد قرأوا فيه (أي اللقاء) رسالة تفيد بأنّ “العصمة البلدية في يد النائب طه ناجي”.حينها تخلّى النائب أشرف ريفي عن المهندس ذوق، مقابل تخلّي النائب فيصل كرامي عن العميد محمد الفوّال، مقابل حصول النائب كريم كبارة على مركز “نائب الرئيس” (عضو المجلس خالد كبارة)، وهو ما يفسّر أنّ الماكينتين الوحيدتين اللتين عملتا فعليّاً على الأرض إنّما اقتصرتا على المشاريع والنائب كبارة، ليس إلّا!

تمكّنت “رؤية طرابلس” برئاسة كريمة من الحصول على 12 مقعداً، مقابل 11 مقعداً للائحة “نسيج” برئاسة المهندس وائل الزمرلي، ومقعد يتيم للائحة “حرّاس المدينة” ممثلاً بالعضو ابراهيم العبيد:هنا، بدأ فصل جديد من فصول “النخب والمثقفين”..والسؤال، هل تصرّفوا بعقلانية وجدّية توازي شعاراتهم البرّاقة حول “مصلحة المدينة، وتقديم العام على الخاص، والإبتعاد عن منطق المحاصصة والأنا القاتلة”؟

لو فعلوا ذلك، لما وصلنا إلى المشهد السوريالي الأليم الراهن:كريمة يُنتخب بصوت إنتقل من “نسيج” لمصلحته (13 صوتاً)، فيما كان يأمل الزمرلي أن يفوز بعامل الأكبر سنّاً (وفق القانون المعمول به) بعد التعادل المفترض 12/12.

تعالت الأصوات الشعبوية في فضاء المدينة تنادي برفض ما أسموه خديعة السياسيين، وراحت تعرّف المعركة الجارية بين “خائنين وأبطال” كأنّنا في مشهد وسترن قديم، وصولاً إلى الدعوة “عليّ وعلى أعدائي يا ربّ” من خلال التوجّه إلى المحافظة والتقدّم بالإستقالة الجماعية.وقد تناسوا أنّهم باستقالتهم هذه ينكثون بعهدهم الذي قطعوه في حضرة سماحة المفتي محمد إمام، تماماً كما فعل صاحب الصوت الذي صبّ لمصلحة كريمة:عندما تحزّ المصالح، الكلّ مستعدّ للقفز من فوق الوعود والعهود والتعابير المنمّقة.

“الرئيس المعلّق” كريمة لم يصدّق فرحته، فأسرع الخطى إلى كرم القلّة وإلى بيوت السياسيين، وكان الأجدى به (حرصاً على مقام رئاسة بلدية طرابلس، كما جاء على لسانه نفسه) أن يفتح أبواب البلدية للتهنئة، مستقبلاً السياسيين كرئيس جامع ل 24 عضواً، وليس كرئيس لائحة سجّلت إنتصاراً لها على لائحة أخرى:هو أخطأ، والنصف الآخر غلّب الشعارات على حساسية أوضاع الناس وحاجتهم الملحّة لمجلس بلدي فاعل ينشط 24 على 24، بدل التلهّي بالخيانات والإستقالات والإنتصارات الفارغة!

ولا تقتصر “التراجيديا الطرابلسيّة” على ما سبق، بل رافقها الكثير من العثرات التي لا تُغتفَر:

-الرئيس السابق رياض يمق يرفض عملية التسلّم والتسليم، في نوع من الإنتقام من زميله في المجلس السابق كريمة، بمعنى “كما عذّبني، سأعذّبه”، متناسياً أنّ عليه أن يتصرّف من موقعه كمسؤول عن مرفق عام، وليس كفرد تتحكّم به النكايات وردّات الفعل الشخصية.


-المهندس الزمرلي راح يفاوض على مركز رئاسة إتحاد بلديات الفيحاء، متسلّحاً بتواقيع 12 عضواً مستعدّين للإستقالة، دونما حسبان السقوط في الفراغ الإداري، والذي يمكن له أن يمتدّ لأشهر وسنوات، أقلّه إلى ما بعد الإنتخابات النيابية في أيار 2026.وما الكلام الذي نقلوه عن لسان وزير الداخلية بإعادة إجراء الإنتخابات في مدّة أقصاها شهرين إلا مجرّد تخفيف وتغطية على هول الإستقالة المؤذية!

الجميع، دون إستثناء، سقطوا في الإمتحان البلدي:من النوّاب الذين اعتبروا أنفسهم قد حققوا نصراً سياسياً مَبيناً، إلى نُخب “نسيج” الذين أسكرتهم آلاف الأصوات التي حصلوا عليها، متجاهلين أنّ نسبة التصويت في المدينة لم تتجاوز ال 15 بالمئة (وللتذكير في الإستحقاق البلدي عام 2010حصل المرشح عربي عكاوي على 20815صوتاً، متصدّراً اللائحة الفائزة، ولم يطالب بالرئاسة التي حصل عليها الدكتور نادر غزال)، إلى كريمة الذي لم يُحسن تحصين فوزه بالرئاسة، مفوّتاً الفرصة على نفسه وعلى البلدية العتيدة!

طرابلس تثبت كلّ يوم أنّها مستعدّة للقفز في الهواء، مكرّرة التجارب الخاسرة، في دوّامة قاتلة “لا تبقي ولا تذرّ”..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top