المفتي دريان يرفع السقف: صرخة باسم الطائفة ورسائل بالجملة

بقلم رفيق عبدالله- ديموقراطيا نيوز

خرج مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان عن صمته المعتاد، في موقف حاد النبرة وغير مألوف، عبّر فيه عن عمق المظلومية التي تعيشها الطائفة السنية، وعن حجم التحديات التي تواجهها المؤسسة الدينية السنية في ظل انهيار الدولة. وقد تزامن هذا التصريح مع إعلان المفتي زيارته المرتقبة إلى سوريا للقاء الرئيس السوري احمد الشرع، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية ودينية وإقليمية بالغة الحساسية، وتشكّل، بحسب المتابعين، رسالة واضحة في كل الاتجاهات.

المفتي تحت الضغط: مؤسسة دينية بلا دعم وواقع معيشي منهار

لم يكن كلام المفتي فقط دفاعًا عن دور الطائفة السنية في لبنان، بل أيضًا تعبيرًا صريحًا عن الانفجار الصامت داخل المؤسسة الدينية السنية نفسها. فدار الفتوى، التي تضم آلاف رجال الدين والخطباء، باتت اليوم بلا مظلة حقيقية بعد غياب الدعم الذي كان يقدمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن بعده نجله سعد الحريري.

في ظل الانهيار المالي، يواجه المشايخ وضعًا معيشيًا مذلًا، حيث يضطر كثيرون منهم للعمل في وظائف متعددة لإعالة أسرهم، بينما تتجاهل الدولة هذه المؤسسة كليًا، ولا تدرجها ضمن أولوياتها، لا من حيث الموازنة، ولا من حيث الحفاظ على كرامة موقعها. هذا الواقع يجعل من المفتي دريان مسؤولًا أول أمام مؤسسة منهارة وقاعدة دينية مسحوقة.

تآكل الموقع السني الأول وتفكك القيادات

منذ ما بعد اغتيال الحريري، بدأ الموقع السني في السلطة يتعرض للقص والتهميش. فاختيار رؤساء الحكومات في السنوات الأخيرة جرى خارج الإرادة السنية الجامعة، وبعيدًا عن نبض الشارع والنخب، بل وبتهميش واضح للدور السياسي والطائفي لهذا الموقع الدستوري الأول لدى السنة.

رغم محاولة السعودية الرد على هذا التهميش باستضافة الرئيس نواف سلام، وإظهاره إلى جانب ولي العهد، إلا أن النتيجة لم تكن كافية. التعيينات استمرت على حساب الطائفة السنية، والمشاريع التنموية في مناطقها جُمّدت، وأبرز مثال على ذلك مشروع مطار القليعات، الذي رُوّج له سياسيًا، ثم تم “تنييمه” في مجلس الوزراء رغم حماسة وزير الأشغال، تحت ذرائع إدارية غير مقنعة.

خطاب شيطنة وتبرير السلاح

الأخطر أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد خطاب خطير في الإعلام وبعض التقارير الأمنية، يُشيطن الطائفة السنية ويضعها في خانة “الخطر الإرهابي”، وكأنها مصدر تهديد للاستقرار. وهذا الخطاب يُستخدم لتبرير الإبقاء على سلاح حزب الله، لا كمقاومة ضد إسرائيل، بل كـ”ضمانة” بوجه وهم الإرهاب السني، الذي لم يكن موجودًا أصلًا في لبنان.

هذه السردية المضلّلة، التي لا أساس لها من الواقع، باتت وسيلة دائمة للتهرب من مناقشة مستقبل الدولة وسلاحها وهيبتها، على حساب الطائفة التي لم تخرج يومًا على الدولة، ولم تحمل مشروعًا مسلحًا، بل بقيت ركيزة الاعتدال والوحدة.

الفراغ السياسي: لا مرجعية ولا تأثير

غياب سعد الحريري، وابتعاد الرئيس نجيب ميقاتي عن المشهدية السياسية، جعلا الطائفة السنية في فراغ غير مسبوق. النواب السنّة متفرّقون، عاجزون عن تشكيل كتلة ضاغطة، أو عن فرض أولويات الطائفة، لا في التعيينات، ولا في الملفات الكبرى.

حتى في المؤسستين العسكرية والأمنية، يُترك الضباط السنة من دون غطاء سياسي، في حين يحظى نظراؤهم من طوائف أخرى بدعم واضح. هذا الواقع أفرز شعورًا عامًا بالخذلان والتهميش داخل الطائفة، وفي وسطها الإداري والعسكري والديني على حد سواء.

زيارة سوريا: الرسالة العميقة

في هذا السياق، لا يمكن فصل زيارة المفتي دريان المرتقبة إلى دمشق عن هذا المشهد. فلقاؤه بالرئيس السوري، مهما قيل في تأويله، يُمثّل اختراقًا للجمود، ورسالة مزدوجة:
• أولًا، إلى الداخل اللبناني: بأن سنة لبنان ليسوا وحدهم، وأنهم جزء من الامتداد السني في المشرق العربي، الذي بدأ يتحرر من قبضة النفوذ الإيراني.
• ثانيًا، إلى الأطراف الإقليمية والخليجية: بأن سنة لبنان لم يعودوا يحتملون المزيد من الإهمال أو العقاب الجماعي تحت ذريعة المواجهة مع حزب الله.
• وثالثًا، إلى الغرب: بأن أي حديث عن الاستقرار في لبنان لا يمكن أن يتم من دون إنصاف الطائفة السنية، التي تشكل المكوّن الأكبر والأكثر اعتدالًا في البلاد.

لم يعد أمام المفتي الكثير ليخسره. التهميش السياسي، الفوضى السياسية، الانهيار الاجتماعي، والخطاب العدائي الموجّه ضد طائفته، كلها أسباب دفعت به إلى الخروج عن صمته. تصريحه ليس مجرد تعبير عن الغضب، بل محاولة لاستنهاض الشارع، وتحذير من أن استمرار التجاهل سيقود إلى مآلات خطيرة.

لقد قرر المفتي أن يُحدث صدمة. أن يقول للجميع: كفى. أن يذكّر أن السنة ليسوا الحلقة الأضعف، بل صمّام أمان البلد. وإذا استُبعدوا أو هُمّشوا، فلن يكون هناك استقرار، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا أمنيًا.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: