كتب المحامي أمين عبد الكريم لموقع mtv:
ليست هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتم فيها سنّ قوانين في مجلس النواب تبقى في مهب الريح و بعيدة عن التطبيق والتنفيذ، أو حتى لو طبق جزءٌ منها، يكون بشكل شخصي وعلى مقاييس معينة.
فمثلاً، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تعديل المادة ٤٧ من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تمنح المشتبه به حق الاتصال بمحامٍ وحضور التحقيقات الأولية معه لضمان حقوقه، الا ان هذه المادة بقيت بعيدة عن التطبيق “الفعلي” وفق روحية النص والمشرع، اذ ان الأجهزة الأمنية تمتنع عن تطبيق المادة بحذافيرها بغطاء وتقاعس قضائي “مقصود”، و تتعدد الحجج في هذا الصدد، حيث تتذرع الأجهزة الأمنية بأن النص القانوني لم يُلزمها بدخول المحامي، الا “اذا طلب المشتبه به ذلك”.
وهنا تبدأ حفلة التذاكي “المغطى قضائياً”. فالمشتبه به عند استدعائه في غالب الأحيان يكون قد اتصل بمحام ونظم له وكالة لحضور التحقيق معه، الا انّه وبسحر ساحر وبعد دخول المشتبه به إلى غرفة التحقيق، يتم الضغط عليه للتوقيع اولاً عن “تنازله عن حقوقه المنصوص عنها بالمادة ٤٧ أصول محاكمات جزائية”.
وفي حال راجع المحامي الجهاز الأمني القائم بالتحقيق، يكون الجواب ان “المشتبه به لا يريد محامٍ”، أو “ان التحقيق لم يبدأ بعد، بس عم نسأل كم سؤال”، أو بأن “القصة مش حرزانة وما بدا محامي” أو “ان الجرم المرتكب لا يسمح للمحامي بحضور التحقيق”، على الرغم من ان القانون واضح ولا يمنع المشتبه به من حقه بالاستعانة بمحامٍ مهما كان نوع الجرم المرتكب.
اما الأغرب في الموضوع، فهو تقاعس القضاء في تنفيذ وتطبيق القانون وروحية النص التشريعي، حيث اصبح للأسف جزء من القضاة يعملون وفق ما يملي عليهم الجهاز الامني، أو القائم بالتحقيق.
فبدل الضرب بيد من حديد والالتزام الكلي والشامل بتطبيق القانون، يكون جواب الكثير من القضاة بعد مراجعتهم، ان هذه المادة (اي الحقوق المنصوص عنها في المادة ٤٧ أ.م.ج) لا نطبّقها، او ان “الجرم كبير”، أو ان للجهاز الأمني الحق بتطبيق المادة كما يحلو له.
أما الأخطر من هذا كلّه، فهي الوساطات والمحسوبيات والزبائنية في تطبيق النص القانوني، حيث يتوقف الوضع في الكثير من الأحيان على علاقة المحامي بالضابط الأمني المشرف على التحقيق أو على العلاقة الشخصية التي تربط المحامي بالنيابة العامة، من دون حسيب أو رقيب.
فعن اي دولة نتكلم، و بأي حقوق نطالب في ظل هذا الكمّ من المخالفات والتجاوزات التي لم تعُد مقبولة وتستوجب تحركات على أكثر من صعيد وجهة للانتفاض على هذا الواقع المرير؟