الشعب هو السيد

كتب محمود القيسي – ديموقراطيا نيوز

“الشعب هو مصدر السلطات ومانحها،
هو صاحب القانون،
هو الحكم على أى حاكم،
وهو المالك فوق كل ملك
الشعب هو الدولة وهو الوطن،
هو مالك الأرض والبحر والماء والهواء والسماء والثروة..
هو السيد ولا أسياد عليه”..
هشام عبد اللطيف

بداءت أسطورة قدموس بانتصار (الحق والواجب) على (المصلحة العائلية) والفردية.. حيث يقتل قدموس التنين ويقتلع أضراسه ليبذرها في الارض فتنبت رجالاً نبلاء حكموا البلاد التي بناها قدموس الأسطورة. أين نحن من قدموس في البلاد التي لم تعد أسطورة.. بل، مجرد ١٢٨ راساً تبخ الأكاذيب.. رحم الله هيراكليس!؟… لم يعد امام الشعب اللبناني “العظيم” على ما أعتقد سوى ان يستوي إلى مستوى الشعوب السوية.. يستوي في قول وفعل الحق.. ولا شيء غير الحق في القول والفعل.. الحق في وجه دولة ظالمة.. ووجه سلطة جائرة.. “فليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا، وكل ما عدا ذلك فهو من الشرير”.. كما جاء في كلام الإنجيل.

إن تغييب الشعب، وتغييب السيادة، وتغييب الدولة، وتغييب المواطنة، والقوانين، والدستور، والمعارضة… تغييب الوطن والمواطن، لا يعني فقط تجسيد الوطن في الحاكم، بل تحويل الحاكم إلى “إله”. أو تحويل من ينوب عنه أو من يغتصب السلطة معه وعنه إلى إله حاكم.. أو كما قال فرعون لأهله: “ما علمت لكم من إله غيري”!… أنظروا يا شعب لبنان العظيم في المرآة من أمامكم، و أنظروا في المرآة من خلفكم: جبناء أنتم، تتهربون من أعباء الحقيقة… تلقون بمسؤولية التفكير على عاتق الذئاب المفترسة أمامكم ومن خلفكم.. أي حيلة تنطلي عليكم، وتقبلون كل إبتزاز !؟.. المجد للفساد المجد للصوص المجد للسماسرة!!… إنكم ترحبون باغتصابكم، تتمرغون على فراش الكسل، والطاعة، ثم تولولون وتكذبون.. إنكم تشتهون مَن يكسر عظمكم ويلتهم لحمكم في مسالخ السلطة السياسية والسلطة المالية والسلطة العنكبوتية و مطابخها الملونة.. مطابخها الملوثة…!؟

صام الشعب اللبناني طويلاً.. صام رغم الجوع، والقهر، والحروب، والمؤامرات الداخلية والخارجية والمزايدات.. صام عن إلغاء الطائفية وقيام الدولة الوطنية، صام عن قيام دولة المواطنة الديمقراطية، وفصل السلطات.. صام عن قيام دولة الدستور.. دولة الدستور العصري الحديث… وعند الإفطار الموعود.. والعيد المرتقب.. طُعن الشعب ثلاثة مرات.. مرة في الظهر عند الدخول.. ومرتين في الصدر عند الخروج!؟… بعد أن رفض الفيلسوف الكلبي “ديوجين” الإنخراط في المجتمع، قرر التقشف و الزهد في متع الحياة، وكان من عادته أن يتجول بمصباح في وضح النهار، وكان الناس يضحكون ويستهزأون به، وعندما كانوا يسألونه عن ماذا تبحث بهذا المصباح؟ كان يجيبهم: أبحث عن إنسان…!

لأننا فشلنا في خلق إنسان يفكر، لم يتكون لدينا شعب، بل تشكل لدينا جمهور، جمهور مصفق، وجمهور لاعن، يصفق مرة، ويلعن مرة… لكنه لا يفكر.. ما ينصح به “سينيكا”، فيلسوف التوازن والاعتدال بين العاطفة والعقل: “هو ألا تكون تعيسا قبل حلول الأزمة.. فإن بعض الأشياء تعذبنا أكثر مما ينبغي أن تعذبنا”.. في حين هنا من ينظر إلى الأمور (المبدئية) على طريقة لصوص الدولة اللبنانية.. حيث لا مبادئ.. ولا أخلاق.. ولا وطن.. ولا إحم ولا دستور… وجميع جلسات إنتخاب رئيس جمهورية شاهد وشهيد!… أكثر ما يخافه ويكرهه ساسة وتيوس القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف، إنهم لا يكرهون رأيه في الحقيقة، ولكن يكرهون جرأة هذا الفرد على أمتلاك الشجاعة للتفكير بنفسه ليكون مختلفا مما يؤثر سيكولوجياً على عبودية القطيع…!؟

الاكتئاب هو أبغضُ تجرُبة يمر بها فرد أو شعب أو أمة على الإطلاق.. إنه انعدام تصور الشعور بالأمن والأمان، وغياب الأمل كُليا… الاكتئاب في لبنان مرض مزمن ورد فعل طبيعي نتيجة القهر السياسي المزمن.. جلسة، أو جلسات، أو فلكلور، أو لعبة.. أو مهزلة ما يجري في مجلس النواب اللبناني منذ عدة اسابيع على سبيل مثال الاستهتار والقهر السياسي وليس حصر اللامبالاة والقهر السياسي الرسمي في أنتخاب رئيس الجمهورية لأكبر دليل.. دليل بنكهة الفخامة والبذاءات السياسية والتي تصبح معها النكتة السياسية مجرد كابوس يختنق فيه البلد ملايين المرات قبل أنعقاد الجلسة وملايين المرات بعد رفعها.. في حين الشعب مصدر السلطات ما زال ينتظر غودو الوهمي على خشبة مسرح العبثية السياسية.. إلى إن يتحول الرئيس العتيد للجمهورية مجرد وهم.. والشعب كذلك!

القهر والظلم والاستبداد واليأس هو الشرط الأساسي للوعي الذي يقود إلى التغيير.. حيث ان الشعور بانعدام الأمل يعيدنا مباشرة الى الحاضر, حيث نعيش اللحظة و هي تنساب مباشرة الى داخلنا كانسياب أنغام موسيقى الوجع وسمفونياتها التاريخية… وليس للوعي من ملجأ اخر غير اللحظة الآنية, أما الأمل فقد ينسينا ما هو كائن اليوم من أجل ما قد يكون غدا… أو لا يكون أبدا.. فكثيرا ما تقودنا الآمال العظام الى نسيان الحياة لأجل وعد بالحياة… وعد كاذب في كل أحواله حتى لو صدق في الأخير.. يقول ديستوفسكي… عادتي السيئة أنني دائماً ما أرى نهاية الأشياء منذ بدايتها.. ومع ذلك أكمل الطريق حتى آخره لأتأكد من ذكاء غبائي..!

لم يأتي عبثا نشوء مبدأ الفصل بين السلطات، بل جاء نتيجة وضرورة ملحة لايقاف اساءة استخدام السلطة من قبل الحكام, وهو يعتبر بمثابة وضع حدود للسلطة مهما كانت كي تقوم تلك الحدود بحماية الحاكم اولا من الانزلاق في الاستبداد والتحكم الانفرادي وإيقاع الظلم بين الناس, وثانيا أنها تحمي المحكومين من ظلم الحاكم واستبداده وخروجه عن القوانين.. برزت بشيء من الحرية، والجرأة العديد من النظريات السياسية والاجتماعية، والأفكار الدينية، الآخذة في مناقشة مختلف القضايا.. فبرزت أفكار مونتسكيو، وروايات فولتير اللاذعة، ونظريات روسو الداعية إلى تطبيق المنهج الديمقراطي في الحكم القاضي بحكم الشعب بالشعب.. على مبدأ الشعب مصدر السلطات…

يضاف إلى ذلك طغيان أفكار لوك التي تعد الأساس التي تبنى عليه حركة التنوير في القرن الثامن عشر، كما يمكن القول عموما أن حركة الفكر السياسي شددت على فكرة القانون الطبيعي و الحقوق الطبيعية و المصلحة الذاتية المستنيرة، و عليه يجوز القول أن النظرية السياسية في القرن الثامن عشر بدأت تأخذ مركزها في فرنسا والعالم و التي بلغت ذروتها نتيجة سياسة لويس الرابع عشر القائمة على الملكية المطلقة و الحق الإلهي. في كتابه “رسالة في التسامح” حاول جون لوك جاهداً الفصل بين سطوة الدين والسياسة؛ أي أنَّه حاولَ تصحيح تلك الاعتقادات الشائعة. كما تصدى لوك كذلك لبعض الأفكار التي تشرِّعُ التدخل في الضمائر، والتدخل كذلك في الحياة الاجتماعية اليومية والحريات الشخصية.

الحقُّ الطبيعي عند لوك ينبني أساساً على خلاف هوبز على القوانين الطبيعية، هذه القانونين هي التي تُقرِّرُ المحافظة على هذه الحقوق، ومُعاقبة كل من صادرَ هذه الحقوق.. الحقوق الطبيعية عند جون لوك هي ثلاثة:

  • حقُّ المساواة: ألاَّ يتدخلَ أحدٌ في حياة الآخر، وألاَّ يهددهُ سواءٌ في حياتهِ أو ملكيته.
  • حقُّ الحريّة: هي أنْ يفعلَ الإنسان ما يريدهُ باستثناء ألا يؤذي نفسهُ أو غيرهُ.
  • حقُّ المِلكية: الله سخَّر الأرض للنَّاس ليعملوا ويزرعوا ولكلِّ واحدٍ له حقُّ المِلكية.

أكَّد جون لوك – وبإقرار- على أنَّ الانتقال من حالة الطبيعة إلى المُجتمع السياسي يكونُ عبر تعاقد اجتماعي. يخضعُ تنظيم المُجتمع حسب “جون لوك” لثلاثة محدِّدات:

  • سيادة الشعب: اختيار ممثلين يقومون بتشريع القوانين (الديموقراطية).
  • تأصيل الأغلبية: الأغلبية هي العقل عند اختلاف المصالح، فعند اختلاف الآراء يتم الاحتكام للأغلبية.
  • السلطة السياسية: هي سيادةُ الشعب وحده.

جون لوك هو أول من قام بفصِل السلطات وهي ثلاثة:

  • السلطة التشريعية: هي التي تشرِّعُ القوانين؛ وتحافظ على الحقوق.
  • السلطة القضائية: مُهمتها هي فضُّ النزاعات.
  • السلطة التنفيذية: هي التي تُنفِّذ القوانين الصادرة. معلومٌ أن الحق الطبيعي هو أصل هذه السلطة.

الشرعية مفهوم سياسي مركزي يرمز إلى العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم المتضمنة توافق العمل أو النهج السياسي للحكم مع المصالح والقيم الاجتماعية للمواطنين بما يؤدي إلى القبول الطوعي من قبل الشعب بقوانين وتشريعات النظام السياسي الذي الشعب هو مصدر سلطاته. وهكذا تكون الشرعية علاقة تبادلية بين الحاكم والمحكومين (ماكس فيبر)، ذلك أنه مقابل طاعة المحكومين للأوامر الصادرة عن السلطة يقوم الحاكم بتقديم الدليل على قدرته على خدمة شعبه عامة وفي الأوقات الحرجة والمصيرية خاصة. إن غياب الشعور بعدالة السلطة يلغي الشرعية ويجعل الثورة على النظام امراً مشروعاً على أساس القاعدة الفكرية “إن قول كلمة حق في وجه سلطان جائر خير من صلاة ألف شهر” أو عملاً بالمنطق المترتب على قول سانت أوغسطين “إن السلطة بلا عدالة هي سرقة كبرى”.

يعود الباحثون المعاصرون المهتمون بمسألة الشرعية ومصادرها في تعريفهم للشرعية إلى عالم الاجتماع ماكس فيبر، الذي حدد أنواعاً ثلاثة مثالية لمصادرالشرعية، التي تجعل الشعب يتقبل السلطة الحاكمة وقراراتها، وهي: الشرعية التي تقوم على التراث والتقاليد التي تعتمدها القيادة السياسية في تحقيق رضا المحكومين وذلك انطلاقا من الدين والتقاليد، وخصوصاً عندما تدعي بعض الأحزاب والطبقات السياسية “الحق الإلهي” في الحكم والتي تتحول معها الدولة إلى معبد للاوثان والأصنام بإسم الدين السياسي… تقوم الشرعية الثانية على الزعامة الكارزمية”: فيكون الحاكم نفسه هو مصدر تلك الشرعية، ولكن هذا المصدر للشرعية هو مصدر غير دائم؛ إذ يزول بزوال ذلك القائد وهذا ما لا يخدم النظام السياسي القائم فهو بمثابة مصدراً “شرعياً” مؤقتاً… في حين تقوم الشرعية الثالثة على العقلانية – القانونية: فضمن هذه الشرعية تقوم السلطة على قوانين تعتمد على الدستور وترتبط به، مما يضفي عليها طابع المشروعية، كما أن السيطرة تكون عقلانية عندما لا تتأسس على سمو يتجاوز الواقع المادي أو التقاليد أو على التعلق بشخص وإنما على الطابع العقلاني والفعال للسلطة.

هذا ولم يتم الاكتفاء بما قدمه ماكس فيبر، حيث أوضح بعض المفكرين السياسين أن هناك مصادر وأنماطًا أخرى كثيرة للشرعية يمكن التمييز بينها، كالآتي: نمط “الشرعية الثورية”، وتتمثل في الثورة من أجل الاستقلال، وهي في حد ذاتها مصدر لشرعية من تولوا الحكم في أعقابها. وأيضًا نمط “الشرعية الدستورية”، بمعنى أن تكون مبادرات الحكم قابلة للتوقع، لأنها مشروطة بشبكة من القوانين، ويعتمد النظام السياسي إلى جانب نمط “الشرعية الديمقراطية”، وهي سلطة الحكام مخولة لهم من قبل المحكومين، وأن السلطة تكون شرعية إذا كانت تقدم الصفات التي تتماشى أو تتطابق مع الفكرة السائدة عند المواطنين عن شرعية السلطة، وتكون السلطة مشروعة إذا كانت خاضعة للقانون الوضعي، أو كانت إقامتها متماشية مع القانون الوضعي السابق الوجود عليها أي تتماشى مع الدستور.

الشرعية اصطلاحًا هي سيطرة القانون وإعلان علوه وسموه، ونبذ التحكم، ورفض مبدأ إعفاء السلطة من الخضوع للقانون (الحكم وفقا للقانون). أوضح بـول باسـتيد أن مصـطلح الشرعية يعني أساس السلطة وتبرير الخضوع أو الطاعة الناجمة عنهـا. وقـد جـاء تعريف ميشيل دوبري للشرعية أكثر وضوحًا؛ إذ يرى أن الحكام يجب أن يستندوا إلى احتياطي من الشرعية أو الدعم الانتشاري مما يقتضي أن يكون هؤلاء الحكام ” شـرعيين” بطريقـة أو بـأخرى فالحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها و السياسات العامة التي يضعونها وينفذونها يجب أن تتوافق مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم، أو لا تبتعد عنهـا صـراحة أو بشكل دائم. ومن جهته يؤكد جان لويس، أن “مبدأ الشرعية يكمن في امتثال حكومة دولة ما للقـيم التي يرتكز إليها النظام الذي تضمن عمله وسيرورته.

وبالنسبة لـ موريس دوفرجيه، يكون شرعياً كل نظام سياسي يمتثل للإجماع الشعبي، ووفـق هـذا المنظور، يكون الشرعي ليس فقط النظام الذي يعمل وفقًا لقيمه الخاصة، وإنمـا ذلـك الـذي يستجيب، على الأقل بشكل ضمني، للتطلعات الشعبية. يعتقد أرسطو أن الحكم يكون شرعياً فقط عندما يعمل لصالح المجتمع ككل، وليس من أجل المصالح الأنانية للحكام وعائلاتهم.

ويعتقد روسو أن الحكومة تكون شرعية إذا كانت معتمدة على “إرادة العامة”. فيما حاول دافيد بيتهام في كتابه “القوة الشرعية – Legitmation of Power”، أن يطور مفهوماً علمياً للشرعية، انطلاقاً من مفهوم فيبر، حيث من وجهة نظر بيتهام أنه يمكن اعتبار القوة شرعية إذا استوفت ثلاثة شروط: أولاً: يجب أن تمارس القوة طبقًا لقواعد راسخة، سواء كانت متضمنة في مجموعة قوانين رسمية أو مواثيق غير رسمية. ثانياً: يجب أن تبرر هذه القواعد من منظور المعتقدات المشتركة للحكومة والمحكومين. ثالثاً: يجب أن يتم إثبات الشرعية بالتعبير عن الموافقة من جانب المحكومين.

قبل الثورة الفرنسية (عام ١٧٨٩) كان الشعب يعني مجموعة الأفراد أو الرعية الخاضعة للحاكم ذي السلطة المطلقة، وخلال الثورة المذكورة، ثارت طبقة الشعب وأطاحت الإمبراطور والنظام الإمبراطوري. ومن ثم أصبحت تعني كلمة الشعب: مجموعة المواطنين في بلد معين الذين ينتخبون الحكام قي نظام جمهوري. وهكذا ارتبط مصطلح الشعب بمصطلح الديمقراطية وهذه الأخيرة تعني (حكم الشعب لذاته) كما تعني جميع المؤسسات التي تنبثق عن مثل هذا الحكم.

والديمقراطية موضوع قائم بذاته ولكن كل حديث عن الديمقراطية ينطلق من (مبدأ مفهوم الشعب) ومن (حكم الشعب لذاته)، وذلك مهما تعددت أنماط الديمقراطية، كالديمقراطية المعتدلة والديمقراطية التنافسية، والديمقراطية الاستفتائية، والتوتاليتارية والتكنوقراطية.. والديمقراطية “السوداء” إذا جاز التعبير… وأياً كان نوع الديمقراطية فان المقاييس العامة التي تتصل بالشعب لمعرفة مدى اشتراك هذا الأخير اشتراكاً فعلياً في الحياة السياسية تبقى قائمة في اتجاهات عديدة أهمها:

  • فحص طبيعة وطريقة عمل الوسائل المعتمدة للتعبير الشعبي. وأهم هذه الوسائل: الانتخابات: من ينتخب؟ كيف يتم الانتخاب؟ لماذا ينتخب الشعب؟ ثم البرامج.. الأحزاب السياسية.. والنقابات.
  • فحص طبيعة وطريقة تطبيق القرارات السياسية باتجاه الشعب، في الأنظمة التوتاليتارية، في نظام السلطة الفردية أو الأوليغارشية، في النظام البرلماني.

كل هذه المسائل هي في الواقع الرسائل والشروط التي لا بدَّ من البحث فيها للتحقق من صحة الديمقراطية، اي حكم الشعب للشعب حكماً سليماً وعادلاً وشفافاً لا تشوبه شائبة.

في إحدى نكاته السياسية اللاذعة لمدعي الثقافة المأجورة والنخب المدعية في بلاط الأنظمة والأحزاب المصابة بمرض بلهارسيا (القواقع الفكرية) من عهد ألمانيا الشرقية “الاشتراكية”، مفادها أن عاملًا ألمانيًا ذهب للعمل في سيبيريا، وحيث أنه كان يعلم بأن كل الرسائل كانت تُقرأ من قِبل الرقابة السوفياتية، اتفق مع أصدقائه أنه سيكتب رسائله بالحبر الأحمر والحبر الأزرق، وكل ما هو مكتوب بالأحمر كذب، بينما كل ما هو مكتوب بالأزرق صحيح. وهكذا وصلت أول رسالة منه إلى أصدقائه مكتوبة كلها باللون الأزرق بما يعني أن كل ما يرد فيها صحيح:

«كل شيء رائع هنا، المتاجر مليئة، الطعام فائض عن الحاجة، الشقق السكنية واسعة ودافئة، دور السينما دائمًا تعرض أفلامًا أميركية.. الشيء الوحيد غير المتوافر هو الحبر الأحمر.»

«أليس هذا وضعنا الراهن؟» يسأل جِجِك مُعلقًا: «لدينا كل الحريات التي نريدها – الشيء الوحيد المفقود هو الحبر الأحمر. نحسّ بأننا أحرار لأننا نفتقر إلى اللغة نفسها التي نفصح فيها عن حريتنا. هذا الافتقار إلى الحبر الأحمر يعني بأن كل المصطلحات التي نستخدمها اليوم لتعريف الصراع الجاري – «الحرب على الإرهاب» و«الديمقراطية والحرية» و«حقوق الإنسان ..إلخ – مصطلحات باطلة تشوش وعينا للوضع القائم بدلًا من أن تسمح لنا أن نفكّر. المهمة اليوم هي أن نزوّد المحتجّين والمعارضين بالحبر الأحمر.»

“بين الحق والباطل أربع أصابع”، وهي المسافة بين الأذن والعين. هكذا ميّز الإمام عليّ بين ما نسمعه دون تحقّق.. وبين ما نشهده ونختبره.. في لبنان أصبح الباطل سيد الموقف يا إمام البلاغة.. أصبح في الهواء، والماء، والخبز، والدواء.. والفقر أصبح رجلا.. وأنت القائل: (لو كان الفقر رجلا لقتلته)؟… كاد الفقر يا إمام أن يكون كفراً، كاد الفقر المقصود عن سابق إصرار وترصد في بلاد الرب والأرز ان يصيب جميع أهدافه [الداخلية و الخارجية] من السرقات.. والتجويع.. والتركيع.. والتفجير “النووي”.. والالغاء.. والترسيم “المعجزة” والكفر بكل شيء.. لا تلم الكافر يا إمام الحق في هذا الزمن الكافر فالجوع أبو الكفار.

لبنان لا يحتاج إلى أبطال على طريقة الأفلام الهوليودية من سوبرمان إلى سبايدرمان إلى باتمان.. لبنان لا يحتاج إلى أبطال الأفلام المافياوية وجرائمها المنظمة تحت قوس القانون وفوق قوس القانون.. والإصبع على زناد المسدس.. والمسدس في الراس.. مسدس “دون كورليوني”.. فلسفة التوقيع مقابل دولار واحد… لبنان لا يحتاج إلى أوليغارشيا ترسانة المال الفاسد.. المال السياسي الفاسد..والودائع المنهوبة.. والمنصات السوداء.. ومصاصي الدماء… لبنان يحتاج فقط إلى شعب.. شعب يقول لا.. لا احد يقول ألان لا.. لا احد يقول لا.. لا احد…!؟

الديماغوجية أيها السيدات والسادة جزء أساسي وتأسيسي وإحدى أخطر أشكال وأنواع وألوان وأقنعة “فنون” السياسة البهلوانية واللعب على الحبال والكلمات.. والتي تصبح معها فنون الديماغوجية في أعلى مراحلها التجريبية والتطبيقية في (لبنان) جوهر ومضمون فن الممكن التطبيقي في جميع مراحل علوم الفساد السياسي التطبيقي في لبنان الرسمي التطبيقي… كما تكونوا يا شعب لبنان العظيم يولى عليكم… حيث إن الشعب الذي يعيش خلف طبقة سياسية وطائفية وإقطاعية يتعاطى زعمائها وقادتها وأحزابها وتياراتها وألوانها وأعلامها وإعلامها… أفيون الفساد السياسي المستشري والمزمن…! سوف يكون هذا الشعب أكثر ميلاً لقبول فساد قادته “الروحيين” وعائلاتهم “المقدسة”…..!!؟؟؟

لم يعد امام الشعب اللبناني “العظيم” على ما أعتقد سوى ان يستوي إلى مستوى الشعوب السوية.. يستوي في قول وفعل الحق.. ولا شيء غير الحق في القول والفعل.. الحق في وجه دولة ظالمة.. ووجه سلطة جائرة.. “فليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا، وكل ما عدا ذلك فهو من الشرير”.. كما جاء في كلام الإنجيل… على المواطن أن يتعلم إن الحقوق لا تُعطى لمن يسكت عن حقه.. وعليه أن يرفع الصوت حتى يحصل على حقوقه.. وعليه أن يعلم إن الشعوب هي مصدر السلطات.. عليه أن لا ينزف في رفع علم من هنا ورفع علم أو راية من هناك.. في حين ينام على العتمة والمياه مقطوعة في بلاده.. بلاد الأمطار والأنهار!؟

**يا اسمي: أَين نحن الآن؟ / قل: ما الآن، ما الغَدُ؟ / ما الزمانُ وما المكانُ / وما القديمُ وما الجديدُ؟ /سنكون يوماً ما نريدُ / لا الرحلةُ ابتدأتْ، ولا الدربُ انتهى / لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ / وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب / وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ الآخرين / وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ…!!!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top