جمعية “تراث طرابلس-لبنان” ..تواصل جهودها لإحياء ذاكرة المدينة وتراثها الغني.. الدكتورة تدمري ل” ديموقراطيا نيوز”:ترميم “دار فاطمة” خطوة مهمة في طرابلس

بقلم روعة الرفاعي

طرابلس، المدينة التي تختزن واحدة من أغنى الثروات التراثية المملوكية في الشرق الأوسط، لا تزال تعاني الإهمال والتهميش من قبل الدولة، وبلديتها، ومسؤوليها، ما حولها إلى مدينة منسية ومهجورة. ولولا عزيمة بعض أبنائها الغيورين، لكانت الكارثة أكبر.

في هذا السياق، تواصل رئيسة جمعية “تراث طرابلس – لبنان” الدكتورة جمانة الشهال تدمري، إبنة المدينة، جهودها الدؤوبة في إبراز الوجه الحضاري والثقافي لطرابلس. فمن خلال حملات تنظيف مستمرة، ومهرجانات، وأنشطة توعوية وتراثية، تحرص تدمري على إعادة الاعتبار لطرابلس القديمة وأسواقها وخاناتها.

فماذا تحضّر الجمعية لهذا الصيف؟ وما الحدث الفني – الثقافي المنتظر الذي سيعيد النبض إلى المدينة؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة في ظل زخم من التحضيرات لإطلاق مشروع ترميم “دار فاطمة”، ضمن رؤية متكاملة تهدف لتحويل الإرث التاريخي إلى مساحة حية للثقافة والسياحة.

الدكتورة جمانة الشهال تدمري أكدت في حديث خاص ل ” ديموقراطيا نيوز” ” أن الجمعية، وكما في كل عام، تطلق سلسلة من النشاطات الثقافية خلال فصل الصيف، تركّز فيها على تراث مدينة طرابلس المادي واللامادي، وتسعى إلى تسليط الضوء على أسواق المدينة التاريخية التي تُعدّ من الأهم في لبنان والعالم العربي، وتحديدًا تلك التي تعود إلى القرنَين الثاني والثالث عشر في العهد المملوكي، والتي لا تزال تحتفظ بطابعها الأصلي حتى اليوم”.

وأشارت تدمري إلى أن برنامج الجمعية يشمل زيارات ميدانية إلى مواقع تراثية بارزة مثل خان العسكر، برج السباع، وسكة الحديد وغيرها، في إطار مشروع “تراثي تراثك الثقافي والتعليمي” الذي أطلقته الجمعية للإضاءة على هوية المدينة المعمارية والثقافية.

وكشفت تدمري عن إنجاز جديد تحقق هذا العام، حيث تمكّنت الجمعية من الحصول على منزل تراثي قديم داخل سوق الذهب يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر. وسيُصار إلى ترميمه وتحويله إلى نموذج أصيل عن الدار الطرابلسي التقليدي، بما يحتويه من بركة وحجارة تاريخية. وسيتحوّل هذا الفضاء إلى مركز اجتماعي ثقافي يحتضن الأنشطة التراثية، ومتحف مصغّر للمدينة، وقد يشمل مركزاً لتعليم الخط العربي، نظراً لغنى أسواق طرابلس بالنقوش والآيات القرآنية المنحوتة على جدران أبنيتها التراثية.

تدمري: ترميم “دار فاطمة”خطوة
لإحياء الخط العربي وتكريم تراث طرابلس

وتابعت الدكتورة تدمري حديثها، مؤكدة أن “الدار التراثي الذي ستقوم الجمعية بترميمه، سيشكّل مركزًا تفاعليًا متعدد الأبعاد، حيث سيكون هناك تعاون مع عدد من الدول المهتمة بالخط العربي، على اعتبار أن طرابلس كانت ولا تزال من أبرز الحواضر التي عُنيت بهذا الفن الراقي”.

وأضافت: “الدار قد يتحوّل أيضًا إلى نقطة استراحة للسياح في قلب الأسواق، حيث يمكن توزيع خرائط سياحية وإرشادات، إلى جانب توفير مرشدين محليين. هناك العديد من الأفكار المطروحة لخدمة المدينة وأهلها وكل زائر يهتم بطرابلس وتراثها. الدار هو تحت وصاية مديرية الأوقاف، وستتولى الجمعية عملية ترميمه، إيمانًا منها بأنه ملك المدينة وأهلها، وسيساهم في الترويج للخط العربي وحفظ تراث طرابلس الحيّ”.

وللغاية نفسها، أعلنت تدمري عن إقامة لقاء فني ثقافي لدعم مشروع الترميم، في ظل غياب المهرجانات الثقافية هذا الصيف عن طرابلس، على عكس بقية المناطق اللبنانية. وقالت: “قررنا تنظيم نشاط ثقافي يتماشى مع برامج الجمعية، عبر أمسية موسيقية وعشاء خاص يُقام على جزيرة عبد الوهاب في الميناء – وهي ثروة بيئية مهملة للأسف رغم ترميمها سابقًا – ونعمل حاليًا على تجهيزها مجددًا لاستقبال هذا الحدث”.
ولفتت إلى أن الحفل سيقام يوم الإثنين المقبل في 18 آب، الساعة السابعة مساءً، وسيتضمن عروضًا موسيقية بمشاركة فنانين، لإطلاق مشروع ترميم “دار فاطمة”، وهو المنزل الذي كانت تسكنه السيدة فاطمة سابقًا، وسيُعاد إليه مجده في خدمة الثقافة والتراث.
وأضافت الدكتورة تدمري: “حرصت الجمعية منذ انطلاقتها على تنظيم حملات تنظيف شاملة في مختلف أحياء المدينة، بالتعاون مع شركة لافاجيت، إلى جانب التوعية المباشرة مع الأهالي حول أهمية النظافة العامة، لأن حماية المدينة لا تقتصر على العمل البلدي بل تبدأ من وعي المواطن ومسؤوليته تجاه بيئته”.

وتابعت: “منذ عام 2015، دخل برنامج تراثي تراثك المناهج الرسمية في عدد من مدارس الشمال، وهو مادة تربوية تحفيزية تربط بين التراث والبيئة باعتبارهما وجهين لعملة واحدة. نعمل من خلال هذا البرنامج مع الطلاب والأساتذة على زرع ثقافة الحفاظ على الإرث المعماري والبيئي، وقد أثبت البرنامج نجاحًا كبيرًا لجهة تجاوب الأهالي والطلاب”.

وأضافت : “للأسف، المدينة تُرفع فيها الشعارات أكثر مما تُطبَّق على الأرض. أهالي طرابلس يهتمون فعليًا بمدينتهم، لكن هناك تقصيرًا واضحًا من الجهات المعنية، لا سيما في ما يتعلق بالبنية التحتية البيئية. فشوارع طرابلس تفتقر إلى سلّات المهملات، وحتى القليلة الموجودة لا يتم إفراغها بالشكل المطلوب، ما يدفع بالتجار أحيانًا إلى إزالتها”.

وختمت تدمري بالقول: “أنا مؤمنة بأن الحركة بركة، وكل مواطن مسؤول عن محيطه كما هو مسؤول عن بيته. طرابلس تستحق الأفضل، وعلينا جميعًا أن نجنّد أنفسنا لحمايتها. المدينة هي مرآة أهلها، وبقدر ما نحرص عليها، نقدّم أجمل صورة عنها للعالم”.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top