ما هو الجديد؟ .. نحن “دولة فاشلة” !!

بقلم خالد صالح

كان من عادةِ أحد الملوك أن يفتحَ أبوابَ قصره أمام جميع الناس على اعتباره “قصر الشعب”، للتعاطي المباشر معهم والأخذ بمشورتهم في كلّ القضايا التي تهمّ المملكة، وكانت الأعداد غفيرة في كل مرة، إلا أن ظنّ الملك قد خاب عندما لم يتلقّ من الناس إلا التذمر الدائم والشكاوى من كلّ شيء، فقرر تلقينهم درسًا يتعظون به .
أمر بإغلاق الطريق المؤدية إلى القصر بوضع صخرة ضخمة في منتصف الطريق، وطلبَ من أحد حراسه الاختباء والمراقبة، أوّل المارين لفّ حول الصخرة ومضى في طريقه وكأن شيئًا لم يكن، ثم مرّ رجلٌ ثانٍ وبدأ يصيح: “سأشكو أمر هذه الصخرة إلى الملك كي يعاقبَ من وضعها هنا”، ثم مرّ رجل ثالثٌ وتلاه رابع وخامس ..
وهكذا .. منهم من سَخِرَ ومنهم من شتمَ ولعنَ، ومنهم من اتهم، حتى جاءَ فلّاح مسن، رأى الصخرة فشمّر عن ساعديه وبدأ بمحاولة إزاحتها لتنتقل “عدوى إيجابيته” للمارة، فتشجعوا ووضعوا أيديهم بيده حتى دفعوا الصخرة خارج الطريق، هنا وجد الفلاح حفرةً أسفل الصخرة وداخلها وجد صندوقًا، فتحه، ليجد سبائك ذهبية ورسالة كُتب فيها:
“الذهب مكافأة لمبادرتك، أشكرك لأنك لم تكتفِ بالشكوى والتذمّر، وإنّما بحثتَ عن حلٍّ، التوقيع، أخوك في بناءِ الوطن .. الملك” .

فقدنا صوابنا

لم يكد السفير الأميركي “توم برّاك” يخلص من تصريحه الذي وصف فيه لبنان بـ “الدولة الفاشلة”، حتى تعالت الاستنكارات والاعتراضات على هذا التوصيف، جُن جنوننا وفقدنا صوابنا، كيف لهذا المدعي أن يصفنا بالفاشلين؟، وكيف يحق له أن ينعتنا به؟، ألا يعلم هذا السفير أننا “سرّ الكون” و “طائر الفينيق” فيه وأننا ننهض من رمادنا دائمًا !!
لكن مهلًا .. ما هو الجديد في قول برّاك؟، دولة فاشلة !!
إن توصيف “دولة فاشلة” مصطلح يٌستخدم في العلوم السياسية بالاستناد إلى جملة من المعطيات وليس تعبيرًا ناجمًا عن عاطفة أو رأي فقط، ووصف لبنان به ليس عبثيًا، بل هو نتيجة مجموعة من الأسباب المتراكمة انطلاقًا من الترهّل والضعف في تركيبة الدولة التي فقدت الانتماء لصالح الأشخاص والزعامات، وباتت “المحاصصة” الطائفية تتحكم في مفاصل البلاد طولًا وعرضًا .
“دولة فاشلة” يعني أن السلطة لاتملك زمام الأمور، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، ولا تتحكم بسياستها الخارجية أو بقرار السلم والحرب، أضف إلى ذلك نعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، ولم يعد لبنان “مصرف الشرق” ولا “مستشفى الشرق” ولا “جامعة الشرق”، وكل أنظمتنا شبه منهارة ومقيدة وعاجزة عن أداء وظائفها كما يليق بـ “الدولة” .
“دولة فاشلة” والفساد المزمن ينخرها من فوق إلى تحت، وإداراتها مهترئة مليئة بـ “حشو المحسوبيات”، وطبقة سياسة تتحكم بمصائر الناس وتستخدم “الاصلاح” شعارًا زائفًا للبقاء “همًا” ثقيلًا على قلوب الناس، والقرارات “الوطنية” تُبني وفق منطق “التسويات” لا مصلحة الوطن وتقدمه، عدا عن أنها عاجزة عن فرض سيادتها وفعاليتها في كل الميادين .
“دولة فاشلة” والثقة معدومة بين اللبنانيين قادة ومواطنين، فلا خدمات ولو بالحد الأدني، وإن وجدت فهي لمزيد من “مصّ” دماء الناس، التي صارت تلجأ للأحزاب الطائفية لتحقيق مآربها، صحيح أننا انتفضنا على تصريح هذا السفير، لكننا فعليًا دولة تتوافر فيها كل المؤشرات على أننا “دولة فاشلة” .

“دولة فاشلة” وأكثر

عندما تجد فئة من اللبنانيين تتحكم بـ “فائض القوة” بمصير هذا البلد، فنحن دولة فاشلة، وعندما تجد فئة أخرى أن الغاية القصوى لها زيادة حجم تمثيلها في المجلس النيابي أو في السلطة التنفيذية ولو على حساب ديمومة الوطن، فنحن دولة فاشلة، وعندما نقف على قارعة الانتظار لموقف هذه الدولة أو تلك من طريقة معالجة أزماتنا كي نقوم بالتصرف السليم، فنحن دولة فاشلة.
بلاد تعاني انقسامًا داخليًا وبشكل عمودي، وسلطة تفتقد أدنى مقومات السيطرة على قراراتها وعاجزة عن تنفيذها إن اتخذتها، أقل ما يمكن القول عنها “دولة فاشلة”، فأتى تصريح “برّاك” ليوقظ فينا الحمية و “يا غيرة الدين”، وننتفض رافضين هذا التوصيف، بلاد تسرق مواطنيها علانية، من المصارف إلى الضرائب إلى الجامعات والمدارس والمستشفيات وقطاع الاتصالات ومصلحة تسجيل السيارات، إلى الودائع والرواتب ومصروف التقاعد والضمان الاجتماعي، سرقة موصوفة وتوزيع للمكاسب بين القادة المتحكمين برقابنا، ونغضب لوصفنا بـ “دولة فاشلة” .
إن أردنا الاعتراض على هذا التوصيف، علينا أن نحمل على عاتقنا “المبادرة”، أن نبحث عن الحلول الجذرية والمنطقية لأزماتنا، الشكوى والتذمر والتأفف لن يبدلوا قيد أنملة في هذا المسار المنحدر نحو القاع، أن نكون إيجابيين ونقبل بهذا التوصيف وأن نحثّ أنفسنا على تقويم الإعوجاج، وأمامنا فرصة كبيرة كي نزيح هذه “الصخرة” من طريقنا إذ يوجد تحتها “صندوق” الانتخابات المقبلة، ومنه يمكننا العثور على كنزنا المفقود، وأن تكون “الإيجابية” العدوى التي تنتقل بيننا نحو “دولة ناجحة” .
حتى ذلك الوقت لا تغضبوا كثيرًا .. نحن “دولة فاشلة” وأكثر .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top