بقلم خالد صالح
يدخل الرئيس الأميركي القديم – الجديد المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني المقبل، والأحداث التي رافقته خلال ولايته الأولى لاتزال ماثلة أمامه، إن لجهة إدارته لشؤون الولايات المتحدة الداخلية، أو لجهة الأحداث المرتبطة بقضايا عالمية وطبعا قضايا الشرق الأوسط .
من هنا بدأ ترامب تجهيز “فريق عمله” الذي سيرافقه خلال السنوات الأربعة المقبلة، في نظرة سريعة على الأسماء المختارة نجد أننا أمام “فريق الأحلام” بالنسبة للعدو الاسرائيلي، أيضًا من الممكن اعتبارهم “فريق الحرب الداخلية”، المدعوم من مجلسي الشيوخ والنواب والمحكمة العليا، وهي نادرة الحدوث في الإدارة الأميركية.
فريق الحرب الداخلية هذا وبوجود هذه الأسماء الصاعقة بالنسبة للديموقراطيين تشير إلى حملة اجتثاثٍ وشيكة سيطلقها ترامب، تنفيذًا لوعوده بالقضاء على الدولة العميقة في سياق حربه مع الأجهزة الأمنية والإدارة المظلمة، لاسيما أن ترامب يعلم تمامًا أن ولايته المقبلة هي الأخيرة له ويجب استغلال كل يوم فيها لتحقيق ما يصبو إليه .
لكن إلى أين يقود ذلك؟
يبحث ترامب عن السيطرة التامة على الدولة الفيدرالية مدفوعًا بالانتصار الساحق في الانتخابات، ولابد أن يولّد حافزًا قويًا لدى الديموقراطيين وجماعات المصالح المتضررة منه للدفاع عن البقاء، وهذا يقود إلى حرب مضادة يخوضها هؤلاء من داخل الإدارة، ومن الولايات الديموقراطية، ومع مرور الـ 100 يوم الأولى من ولايته سوف يبهت الانتصار الانتخابي الساحق، وتطفو على السطح مجددًا المطالب الاقتصادية والنزعات العرقية والخلافات حول الهجرة والمرأة والاقتصاد والبيئة وغير ذلك، خصوصًا إذا لم يتمكن ترامب من إيقاف الحروب كما وعد، وهذه نقطة لابد لنا من العودة إليها، لأنها مرتبطة بشدة بأفق الحرب على غزة ولبنان.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل حكم ترامب؟ وهل يوقف الحروب؟ ..
إيقاف الحرب في أوكرانيا، فيما لو فعلها ترامب، ستكون باب الخطر الأكبر، ذلك أنها ضربةٌ تحت الحزام لمجتمع الحرب الدائمة الذي يشعل الحروب كاستثمارٍ اقتصاديٍ دائم يدر المليارات على أربابه، والذي يضم قادةً من قلب الإدارة وفي الحزبين، ونافذين عابرين للقارات، يحيكون الحروب بدقة فائقة ويرسمون مكائدها مع صناع القرار.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
إذا عاش الرجل طويلًا (كثيرة هي المؤشرات التي تدلّ أنه سيتعرض للاغتيال) فستكون أمامه معضلاتٌ متناقضة كلما تمكن من تطويق واحدةٍ انفجرت الأخرى، لأن الهوس الديموغرافي، وتغير تركيبة المجتمع، وتراجع نسبة( الـ WASP الأنغلوسكسون البيض البروتستانت) بينهم، سيدفع به مقاومة الضرورة الاقتصادية، وقد اختار لملف الهجرة ولفريقه وحوشًا من كارهي المهاجرين والمتوعدين إياهم بالويل.
أما في الخارج فهو إن استمر في الحرب ضد روسيا، ستصل هذه الحرب الحد النووي بسرعة، بسبب تعذر الدفاع الاستراتيجي الروسي بوجه تحالفٍ مدجج بالسلاح ووفير المال كحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي سيضع ترامب أمام حربٍ نووية بأسرع مما يمكن توقعه ثم إن ذلك سيضعه خلف الصين التي تتقدم بسرعة، وتستفيد من اندلاع الحرائق البعيدة .
وفي المقابل، إذا أنهى الحرب الأوكرانية على الحقائق الحالية، فإن عليه الاعتراف لروسيا بنصرٍ كبيرٍ وبالمناطق التي ضمتها، وهذا بالنسبة للكثير من الأوروبيين والأميركيين يمثل كارثةً جيوسياسيةً كبرى، من هنا يبدو السؤال منطقيا، ما العمل؟ وكيف تدير موسكو هذه الاحتمالات؟
انتظرت موسكو وصول ترامب، وراهنت على نيّاته بوقف الحرب، من دون أن تأمن له، وقد قاست خطواتها على توقيت الانتخابات الأميركية، في الميدان كما في السياسة والتحالفات، إذ كان هواء روسيا البارد يتحول شررًا في الشرق الأوسط، من البحر الأحمر إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وقد شعر الأميركيون وحلفاؤهم بوهج الرسائل الخفية، وبموازاة ذلك، لوّح الروس والإيرانيون براية التحالف الاستراتيجي الشامل بينهم، الأمر الذي بقي غامضًا ومنتظرًا بشدة في واشنطن وتل أبيب، ولدى كل مهتمٍ بالصورة الاستراتيجية الكبرى.
ما خطورته؟
سيستمر نتنياهو في مساعيه لاستغلال الدعم الإيراني للمقاومة في لبنان وغزة، ويحاول اختراع سيناريو تضرب إيران فيه إسرائيل، ليحصل على ضربة أميركية – إسرائيلية ضد النظام الإسلامي أو المشروع النووي، وبما سيتابع وفق سيناريو آخر، تصوير إيران على أنها مترددة في التدخل لمصلحة حلفائها، وبالتالي التصويب على العلاقة بينها وبينهم، مع استمرار استهدافهم قدر المستطاع.
لكن هذا السيناريو الثاني محفوف بالمخاطر، فأداء جيشه في جنوب لبنان لا يشير إلى قدرته على تحقيق ذلك، إذ تحولت حربه البرية إلى مخاطرةٍ بكل ما تحقق له في الأشهر الماضية.
من هنا يأتي السؤال: ماذا عن الخطر الآخر بالنسبة لترامب؟
مع هذه المعضلات كلها، تتفرج الصين على خيارات ترامب الصعبة، لكن ببرودةٍ وحكمة وخبث استراتيجي له معالمه ودلائله الواضحة، فهي تبتعد عن الصدام المباشر، وتطهر أظافرها الحادة في تايوان، لكن بطريقة الغارات الوهمية الدعائية المخيفة، التي تصنع غموضًا وحيرة، بحيث لا يمكن معرفة اللحظة التي تنقض فيها بالفعل على تايوان، فتحسم معركةً منتظرة، ولا يمكن بعدها لأميركا إلا أن تفرض حصارها البحري على الصين، أو أن تقبل بالهزيمة البعيدة.
حسابات ترامب معقدة، وحياته مهددة، وإذا وسع الحرب في الشرق الأوسط، أو لم ينهها سريعًا، فإنه خاسرٌ بالضرورة، وهو يكره الخسارة.