كتب كبريال مراد في “نداء الوطن”:
شرّع مجلس النواب في جلسته الأخيرة على قياس أشخاص، بحسب أهل الاختصاص من قانونيين وقضاة. ومرر المجلس بما يشبه “التهريبة” تعديل المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 150، تاريخ 16 أيلول 1983، المتعلّق بالقضاء العدلي. وجاء التعديل على الشكل الآتي: “يمدد للأعضاء الذين انتهت ولايتهم ويستمرون للقيام بأعمالهم إلى حين تعيين بدلاء وحلف اليمين، مع مدة ستة أشهر من بينهم مدعي التمييز والمدعي العام المالي”.
يقول أهل الاختصاص، “إن من حضر الجلسة، لم يعرف من صوّت مع القانون ومن صوّت ضده. إذ أقرّ على عجل برفع الأيدي، من دون تأكيد حيازته على العدد الكافي من الأصوات لتمريره. وعند مطالبة النواب المعترضين أن يكون التصويت بالمناداة (أي بتلاوة اسم النائب فيجيب بالموافقة أو الاعتراض)، رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري ذلك، منتقلاً إلى البند التالي على جدول الأعمال”.
وقدّم اقتراح التعديل النائب علي حسن خليل. وبمجرد وضعه على جدول أعمال الجلسة، طرحت تساؤلات في شأن توقيته والغاية منه. ويتوقّف مرجع قانوني في هذا السياق، عند ما أسماه “سوريالية المشهد”، قائلاً: “إن خليل نفسه الذي ساهم، مع آخرين، بتعطيل عمل القضاء في قضية انفجار مرفأ بيروت، يشمّر عن زنوده ويقدّم اقتراحاً لتأمين استمرارية عمل القضاء. وقد فصّل التعديل على قياس المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم”.
ليس هذا الاتهام جديداً. ففي الجلسة التشريعية نفسها، وعند طرح الاقتراح، جوبه المعاون السياسي لبري من قبل أكثر من نائب بهذه الوقائع. فنفى وجود أي خلفية سياسية وراء اقتراحه، وشرح أن “ولاية مجلس القضاء الأعلى انتهت في 14 تشرين الأول 2024، ولا نستطيع ترك هذا الحسم من دون مجلس قضاء أعلى، وإلا ستتعطل كل الأعمال القضائية إلى حين تعيين بديل عنهم”.
لم يقنع هذا التبرير المعترضين. وعلى الرغم من ذلك، سلك القانون المقر طريقه من ساحة النجمة إلى السراي الحكومي، فأقره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة. وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية وكالة عن رئيس الجمهورية. وأعطى ما حصل مؤشّراً الى أن “الطبخة السياسية” متفق عليها بين رئاستيّ الحكومة ومجلس النواب.
واليوم، ومع تحضير أكثر من طعن بالقانون، باتت الأنظار متّجهة إلى المجلس الدستوري لتفكيك هذا اللغم. وتوقفت مراجع قانونية ودستورية، عند البيان الذي أصدره رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وهو الأول من نوعه بالموقف والمضمون. وقد اتهم البيان مجلس النواب “بانتهاك مبدأ الفصل بين السلطات والتعاون والتوازن في ما بينها، ومبدأ استقلالية القضاء”، وأكد “ضرورة احترام مبدأ استقلالية السلطة القضائية، ووجوب تمتّع القوانين بصفة العمومية والتجريد، وإبعادها عن الطابع الشخصي”.
وردّاً على ما قاله مقدّم اقتراح التعديل، من أن غايته هو إنقاذ مجلس القضاء من الشلل، اعتبر القاضي عبود في بيانه أن “تعطيل عمل المجلس قد بدأ نتيجة امتناع السلطات المختصّة عن إجراء التعيينات اللازمة، وصولاً إلى تعطيل اجتماعاته عبر التدخلات الحاصلة في عمله، ما يجعل من القانون الجديد تمديداً للتعطيل في حال استمرّ الأمر على ما هو عليه”.
ماذا بعد؟ الأنظار تتجه إلى المجلس الدستوري الذي سيكون عليه، في الأيام المقبلة، النظر بالطعون. وتقول مصادره “إن قضاة المجلس ينتظرون الطعون، والصيغة التي أقر بها القانون، لمعرفة مدى مطابقتها مع الدستور”.
وفي هذا السياق، يقول رئيس مجلس شورى الدولة شرفاً القاضي شكري صادر لـ”نداء الوطن” إنه “إذا لم يقبل المجلس الطعن، لازم ينشحط”. ويضيف: “يجب وضع حد لمخالفة الدستور. فما حصل معيب، وكأن الوقاحة لم يعد لها حدود، وكأن التعدّي على القوانين والدستور مسألة لا عقاب أو رقابة عليها”.
ويجزم صادر بأن هذا القانون مخالف للدستور للأسباب الآتية:
“1- لا يمكن إقامة الموتى من القبور. بمعنى أن ما جرى هو تعيين جديد للمنتهية ولايتهم، وهو من صلاحية مجلس الوزراء لا مجلس النواب.
2- عدم استطلاع رأي مجلس القضاء العدلي كما تفرضه أحكام الفقرة (ز) من المادة (5) من قانون القضاء العدلي.
3- عدم جواز أن يكون التمديد شخصياً (la loi est générale et impersonnelle). فعندما يكون هناك قاضيان في المركز نفسه، لا يمكن التمديد لواحد من دون الآخر. وهو ما لم يحصل في حالة التمديد للمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم”.
بناءً على ما تقدّم، يطرح السؤال التالي: هل ستدخل السياسة في عمل المجلس الدستوري فتمنعه من إصدار قراره في مراجعات الطعون؟ أم سيترك للمجلس اتخاذ القرار المناسب وفقاً لمقتضيات الدستور والقانون؟