كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
مخاض موازنة 2025 عسير وصعب. فتلك الموازنة تعاني من عجز كبير خلافاً لما كان الوضع عليه في موازنة 2024. وهناك حلّان أحلاهما مرّ: الإجازة للحكومة استردادها أو مناقشة لجنة المال والموازنة في بنودها وتحويل نفقات وإيرادات من قطاع إلى آخر.
إذا اعتُمد خيار الإجازة للحكومة استرداد الموازنة أو ردّها اليها، تُقدِم الدولة من خلال هذا التدبير، على تعديل بنودها وتضمينها نفقات تواكب مرحلة الحرب والخسائر التي مني بها الاقتصاد اللبناني المباشرة وغير المباشرة، بما سيؤدّي إلى تفاقم العجز المالي مقابل تراجع الإيرادات المتوقّع.
أما الخيار الثاني، فيقوم على مباشرة النواب، وتحديداً لجنة المال والموازنة، مناقشة بنود الموازنة وإجراء ما يجب من تعديلات من خلال “التخفيف” من نفقات قطاع وزيادتها على قطاعات أخرى لمواءمة بعض الحاجيات، على أن يتم في ما بعد عند الحاجة فتح اعتمادات للإنفاق على غرار ما يحصل عادة، فيتمّ تقطيع تلك السنة من دون عجز على غرار سنة 2024.
ويبدو أن الخيار الأقل “مرارة”، لأن الإيرادات المتوقعة هي نصف ما كان مقدّراً في موازنة 2025، هو الثاني، باعتبار أن ذلك سيؤدّي إلى تفادي الدخول في مغامرات غير محسوبة ستدفع بالاقتصاد إلى معضلات معقّدة استناداً إلى القانونيين.
الإيرادات تنخفض 50%
تأتي الحاجة إلى تعديل بنود نفقات الموازنة لأن الإيرادات المرتقبة في 2025 ستكون نصف 2024 كما أوضح النائب والاقتصادي رازي الحاج إلى “نداء الوطن”. مشيراً إلى أن الواردات المتوقعة بـقيمة 4,7 مليارات دولار في مشروع القانون الذي أقرّته الحكومة، من المتوقّع أن تتراجع إلى النصف أي نحو 2,4 مليار دولار.
هذا بالنسبة إلى التوقعات للسنة المقبلة، ماذا عن حركة الإيرادات خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة؟
نسب تراجع الإيرادات نهاية العام
لم تصدر أرقام دقيقة حتى الساعة حول نسب تراجع الإيرادات المحقّقة خلال الحرب الشاملة في الشهرين الماضيين. ولكن استناداً إلى مصادر وزارة المالية لـ “نداء الوطن”، فإن إيرادات شهر تشرين الأول انخفضت بنسبة نحو 20% أو 25%، أما إيرادات شهري تشرين الثاني وكانون الأول فلا تزال غير دقيقة. واستناداً إلى المصادر “مهما انخفضت إيرادات شهري تشرين الثاني وكانون الأول، من المتوقع أن يبقى المجموع المحصّل في نهاية 2024 أعلى مما كان مرتقباً في موازنة 2024، نظراً إلى وتيرة التحصيل المرتفعة نسبياً خلال الأشهر الـ 9 الأولى من العام الجاري”.
وعلمنا من مصدر مطلع آخر أن “واردات شهر تشرين الثاني سجّلت زيادة عن تشرين الأول بسبب تسديد مستحقّات الرسوم على القيمة المضافة التي كانت مستحقة في الفصل الثالث، أي تموز وآب وأيلول خلال هذا الشهر”.
على صعيد النفقات في موازنة 2024 يقول المصدر إنها “زادت بسبب الحرب ونتيجة رفع رواتب القطاع العام، ولكن رغم ذلك لن ينتهي عام 2024 مسجّلاً عجزاً بل سيكون هناك فائض محدود ومقبول، قد يتراوح بين 400 و500 مليون دولار بحسب التقديرات”.
أرقام الموازنة غير صالحة
يقول النائب والاقتصادي رازي الحاج إن “أرقام الموازنة لم تعد صالحة لتقييم واقع الإيرادات مع مرحلة ما بعد الحرب، لذلك يترتّب على لجنة المال والموازنة مناقشة مشروع قانون موازنة 2025 وتعديل أرقام نفقاتها، لتتماشى مع الواردات كي لا تؤثّر الموازنة على واقع الانتظام المالي والنقدي الذي كنا بدأنا نرسم خطواته بدقة في موازنة العامين 2022 و2024”.
أضاف الحاج: “الجهد الكبير الذي كنا نقوم به في اللّجان رغم معارضتنا لمشروع الموازنة كما ورد وطريقة إعداده يحمل الكثير من الأخطاء. عطّلنا في موازنة 2024 ألغاماً كثيرة كانت ستنفجر في وجه كل المجتمع. كنّا نؤسّس لإصلاحات أساسية كان من المفترض أن تعتمد في موازنة 2025، ولكن للأسف توسّعت رقعة الحرب فجاء تأثيرها كارثياً على القطاعات كافة. على الأقلّ، نسعى للبقاء في المستوى نفسه وعدم تحقيق عجز في الموازنة ورصد كل الاحتياجات المطلوبة، وتصحيح الأخطاء لبعض الشرائح المجتمعية، تمهيداً لتحريك عجلة الدولة والإنفاق في المكان الصحيح الذي نحتاجه، فيتحسّن واقع الإدارة العامة، وتؤدّي إدارات الدولة عملها مثل الجمارك اللبنانية التي يترتّب عليها وضع حدّ لسكك التهريب، وقمع التهرّب الضريبي…”.
إلى ذلك، يضيف الحاج، “يجب إعادة النظر في كيفية تحسين وضع الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي تلعب دوراً مهماً على صعيد الوطن. وسنبحث في كيفية تحسين واقع المتقاعدين غير القادرين على العودة إلى سوق العمل. وغيرها من القضايا الاجتماعية، وكل ما يتعلق بالصحّة والتربية. لا تستطيع الحكومة غضّ النظر عن الموازنة التي أقرتها والتي باتت غير صالحة، وغضّ مجلس النواب النظر عن طرح هذا الموضوع على طاولة النقاش وعن الأحداث السياسية التي تحصل”.
إيرادات قطاع الاتصالات
بالعودة إلى الإيرادات المرتقب أن تتراجع في العام المقبل، فإنها تتفاوت في الوزارات نسبة إلى الأضرار المادية التي لحقت بالمنشىآت والخدمات التابعة لها. وعكس ما هو متوقّع، لن تتراجع إيرادات وزارة الاتصالات بشكل كبير بسبب الحرب، لأن وضعها أصلاً سيّئ، وأعمال الصيانة وتطوير بنية القطاع التحتية كان يجدر أن تتمّ مع حرب أو من دونها. وفي هذا السياق أوضح وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم لـ “نداء الوطن”، أن 30 ألف مشترك في الإنترنت من أصل 700 ألف أي ما يقارب نسبة 5% فقط من المشتركين في الإنترنت على صعيد لبنان، لا يتوفّر لديهم إنترنت في “أوجيرو” وهو رقم غير كبير”.
وبين مؤسسة “أوجيرو” وشركتي “تاتش” و”ألفا”، يقول القرم: “قدّرت قيمة خسائر الحرب الأولية وغير النهائية بنحو 88 مليون دولار، وننتظر اليوم نتائج المسح الشامل والدقيق الذي سيجري للخروج برقم نهائي.
شركتا “ألفا” و”تاتش” حافظتا على الواردات، ولم تخسرا زبائن أكثر من نسبة 2 في المئة، فزاد الاستهلاك على الـ “داتا” وكذلك الأمر بالنسبة إلى “أوجيرو”، لأن المناطق المتضررة غير مكتظّة سكّانياً نسبة إلى سائر المناطق”.
وهنا لفت القرم إلى أنه لم يتمّ إقرار موازنة “أوجيرو” في موازنة 2025 وبذلك تمّ تخصيص نصف المبلغ الذي تحتاجه “أوجيرو”، ولم نحصل على المبالغ التي كنا ننوي إنفاقها على الصيانة وتطوير شبكات الاتصالات. “فمنذ العام 2017 لم تجر “الاتصالات” الصيانة والتطوير المدرجين في موازنة 2025 “، يضيف القرم. موضحاً أن “الاتصالات لم تحصل على الأموال لتحديث الشبكة وتحويل الشبكات في كل المناطق من الـ DSL إلى الـ “فايبر”، والموازنة تضمنت فقط الإصلاحات التي يجب القيام بها. وهناك فارق بالكلفة بين أن نقوم ببعض الإصلاحات الموقتة لـ “تمشية” الأمور وأن نمدّ شبكة “فايبر” حسب الأصول.
وضع الـ “إنترنت” في الجنوب
في الجنوب، على سبيل المثال، لا يزال نظام الـ DSL قائماً، ولا يمكننا أن نمدّد كابلات “فايبر” حالياً فهو لن يعود علينا بالعائدات، لأن التكلفة كبيرة لكل مشترك، نظراً إلى المسافات الشاسعة بين كل مشترك وآخر في الجنوب وعدم وجود كثافة سكّانية.
مع الإشارة هنا إلى أن الشبكة “الممدودة” في الجنوب غير مرخّصة وكانت وزارة الاتصالات تنوي شراء محطات LTE لتوفّر الاشتراك في الإنترنت على الخطّ الثابت مع “أوجيرو”. وكما سبق أن أعلنت الوزارة عن نيتها استقدام 250 محطة LTE وبدأنا إعداد المناقصة لتلك الغاية قبل الحرب. وأيضاً كنا طلبنا من الصين استقدام 350 محطة ضمن المساعدات التي ستردنا منهم، لذلك فتلك الخطة سارية بالحرب ومن دون الحرب”.
إذا في الخلاصة، جاء ضرر الأحداث الحربية على قطاع الاتصالات أقلّ من سائر القطاعات، ووارداتها لم تتأثر سلباً بشكل كبير. فشركتا “ألفا” و”تاتش” لم تخسرا زبائن بل زاد الاستهلاك على الـ “داتا”، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “أوجيرو”، لأن المناطق المتضررة غير مكتظّة سكّانياً نسبة إلى سائر المناطق. وفي ما يتعلّق بقرارات وقف الفوترة في المناطق المتضررة والتي خرجت سنترالات الاتصالات فيها عن الخدمة، “لن يؤثّر ذلك بشكل كبير على الإيرادات على غرار سائر القطاعات المتضرّرة في الدولة”، كما ختم القرم.