بقلم خالد صالح

المتفرجون الساكتون عن ظلم الظالم عملاً بمبدأ “لا شأن لنا طالما كان بعيدًا عنا”، لا يعلمون أن آلية الظلم والظالمين تعملُ على أساس أن الجميعَ مستهدفون، لذلك يُخطئ من يظنّ أن الظلمَ الواقع على غيره لن يصلَ إليه، ذلك أن “الظالم” لا حياة له إلّا بتعميم ظلمه، بل إنه ما إن يفرغ من إيقاع الظلم على الآخرين لا بدّ أن يطاول بظلمه من أعانه عليه سواء بالسكوت والرضا وغض الطرف أو بالعمل والقول، ذلك أن سنة الله في الكون أن من أعان ظالمًا سلطه الله عليه.
مَن لم تهزّ وجدانه أفلام الرعب “الحقيقية” التي رأيناها في سجن “صيدنايا” وبقية سجون “نظام الأسد” بعد سقوطه، فإنه حُكمًا لن يُفكّر بالعدالة ولا بإعطاء كل ذي حقّ حقّه، بل أكثر من ذلك سيحاول ابتداع المبررات لهذا الطاغية في أفعاله وقبضته الحديدية فقط لأنه كان يخدم مشروعه السياسي وتطلعاته السلطوية القائمة على قواعد القمع والبطش والتعذيب والقتل .
عندما اقتحم الثوار سجن “الباستيل” في فرنسا في 14 تموز 1789، كان الهدف من ذلك ليس فقط تحرير المعتقلين فيه، إنما الهدف الأساس هو تحطيمه كـ “رمز للاستبداد”، وشكّلت هذه الخطوة بداية للثورات الفكرية والثقافية والسياسية في أوروبا، فأصبحت هذه الذكرى حافزًا لكلّ مناهض للظلم والطغيان، وأصبح سقوط “الباستيل” شعارًا لنهاية كل ظالم ومتحكّم بالعباد والبلاد .

صيدنايا لبنان الكبير

لبنان الذي جعل منه “الأسد” خلال ثلاثة عقود سجنًا كبيرًا، لم يتحرر منه حتى اللحظة، بالرغم من خروجه عمليًا منذ الـ 2005، فلا زلنا نعيش أبعاد “النظام الأمني” الذي فرض قواعده ورسَّخها في جذورنا، ولم نستطع التحرّر من الالتزامات البالية التي كرسّها في صلب حياتنا السياسية منها والعامة .
لقد سقطت مؤسسات الدولة وانكشفت عورة هذا النظام وسوءته، فباتت حياتنا كلها “صيدنايا”، وأصبح لبنان أشبه بالسجن الكبير، وحراسه جلاّدون، طغاة، متغطرسون يبحثون عن مصالحهم، أشخاصًا وأحزابًا، وطوائف يستعيد أربابها “كل ما دق الكوز بالجرة” العبارات المقيتة التي تتحدث عن الحقوق المسلوبة، من دون أن نتعلّم من الأثمان التي دفعناها للخروج من هذا الأتون ولم نفلح .
متى نخرج من “صيدنايا” عذاباتنا المستمرة إلى رحاب “حرية الوطن”، ونكسر أغلال السجّانين الذين يريدون لنا البقاء أسرى للغرف الضيقة التي شيّدوها لنا، وأسرى لكل خطاب متقوقع نلجأ إليه كلما جرّب أحدٌ المس بفكرنا أو معتقداتنا، متى نلفظ الجلادين الذين يحملون “أسواط” القرار والسياسة والمال والاقتصاد وحتى الدين، ونتحرر من كل تبعية لا تخدم لبنان ؟.

سينكسر القيد

الحقيقة من وجهة نظرنا، نحن اللبنانيين، لم يكن سجن “صيدنايا” هو “باستيل” القرن الحادي والعشرين، بل هو سجننا الكبير الممتد على مساحة ١٠٤٥٢ كلم مربع، هو سجننا الذي أراده لنا “نظام الأسد” في المرحلة البائدة وعلى نهجه يسير قادتنا عن عمد أو عن غباء، فما زال هناك من يدافع عن “صيدنايا” المفروضة علينا، من دون أي خجل، او أن تُشكّل لديه عقدة من الخزي والعار، عما ارتكبوه من موبقات بحقنا كـ “شعب” يستحق الحياة .
مهما طال الزمن سينكسر قيدنا ونتعلّم من دروس التاريخ، ولن تطغى علينا جينات “الوراثة” لعصر القمع، سينكسر قيدنا بإرادتنا فالسجون لن تمنعنا من الصراخ بأعلى أصواتنا، كفاكم جبروتًا وطغيانًا وأعيدوا لنا “لبناننا” الذي به نفتخر، فنحن الشعب الذي بوسعه تحدّي الظلم مهما طال أمده، وكما تحرر الشعب الفرنسي بتحطيم “الباستيل” وتحرر الشعب السوري بنسف أبواب “صيدنايا”، بوسعنا أن نكسر الطوق المفروض علينا ونطلق رفضنا بأن يكون “الوطن” سجننا الكبير ..
من “الباستيل” رمز الاستبداد إلى “صيدنايا” رمز الظلم والقهر، يظل السجن رمزًا للصراع بين السلطة الفاسدة الانانية والظالمة والشعب المتلهف للحرية والديمقراطية، لكن الفارق هو أن إرادة الشعوب حين تتحد قادرة على هدم أسوار القهر وفتح أبواب الحرية .. فلا تُبنى البلدان إلّا بسواعد أبنائها مهما كانت أطيافهم ومذاهبهم ..

سجن صيدنايا
الثورة السورية
المعتقلين السوريين واللبنانين
دمشق
سقوط الأسد

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top