
بقلم خالد صالح
عندما تمّ تعيين “بهيج تقي الدين” وزيرًا للزراعة في لبنان العام 1949، قام أخوه “سعيد” بإرسال رسالة قصيرة له جاء فيها:
“تحياتي يا أخي بهيج، لقد علمت وقرأت اسمك بأنك قد أصبحت وزيرًا في حكومة لبنان الذي نحب، عادت بي الذاكرة إلى أيّام طفولتنا أنا وأنت وبقية أخوتي، وقد كنا مساء بعد العشاء نتسابق لننام في فراش والدنا المرحوم الذي كان يشمّ رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة بعد الأكل ومغسولة جيّدًا وكان لا يقبل أن ننام معه إذا شعر أنها غير نظيفة، أخي، والدنا اليوم مدفون ويرقد تحت السنديانه في قبره، وبعد عمر سنكون نحن هناك أيضا بجانبه وقد يشمّ رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة، حافظ على نظافتها كي نستحقّ مجاورته، ومبروكة الوزارة لك” ..
من الصعب جدًا اختزال هذه الرسالة أو حذف أيٍّ من حروفها، هي بمجملها أخلاق عالية السقف ونظافة يد مدهشة ويبدو أنها كانت متوارثة، وتعطينا أدلة صارخة وواضحة بأن وطننا لبنان كان لافتًا بوجود نخبة من رجال الفكر الذين يرتقون إلى مصاف رجال الدولة حتى وإن لم يمارسوا السياسة، وكانوا سفراء لبلاد الأرز في أقاصي الأرض حاملين ازدهاره وجامعاته ورقي أهله وتنوع ثقافاته، وديموقراطيته وصحافته الحرة والجريئة .. وفوق ذلك نظافة فكرهم وإيمانهم وكفهم ..
عهد “العماد”
أما وقد بات لنا رئيسًا للجمهورية يمكن لنا – حتى اللحظة – أن ننظر إليه على أنه إمتداد لـ “تقي الدين” في مسألة “نظافة” السيرة، فهو أثبت أنه ابن هذه الأرض، وتعالى عن الكثير من الصغائر، وقاد المؤسسة العسكرية بكثير من الحكمة والحزم في أحلك الظروف وأصعبها، وبعيدًا عن الأجواء السياسية – المحلية والاقليمية والدولية – التي رافقت وصوله إلى سدة الرئاسة، يُراهن اللبنانيون عليه كثيرا ويعوّلون على مقدرته بنقل بعض الأمور من انضباطه في المؤسسة العسكرية إلى حكم البلاد، والبدء في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة كما ينبغي ووضعها على درب الانقاذ الحقيقي .
من هنا، يبقى أن تُستكمل عملية البناء نحو رسم معالم السلطة في البلاد بمنأى عن لغة هذا منتصر وذاك مهزوم، فالرئيس جوزاف عون أوضح في بداية خطاب القسم قاعدة ثابتة يمكن عبرها تشييد مرحلة مغايرة لأنها قاعدة صلبة عندما قال “إذا انكسر أحدنا فإننا سننكسر جميعنا” وفي هذا دعوة إلى التلاقي حول العناوين الوطنية التي تجمع ولا تفرق لاسيما أننا أمام امتحان عربي – دولي لإثبات أهليتنا بقيادة وطن ودولة، والتخلص من الأفكار الظلامية وعبادة النفوذ السياسي والهيمنة الاقتصادية المذلة التي قتلت الوطن الكبير، وفرضت موتًا بطيئًا لشعب يستحق الحياة ..
الحفاظ على التوازنات
أصعب ما قد يواجه رئيس الجمهورية في الأيام المقبلة هو محافظته على “بوصلة التوازنات”، لأن أي اختلال فيها سيتوجّه البلاد نحو مخاضات نحن في غنىً عنها، وأولى هذه الأمور هي تشكيل “السلطة الإجرائية”، صحيح أنها استشارات ملزمة لكن بوسعه ابداء رأيه للكتل والنواب، وإثبات حرصه على تكليف شخصية مرموقة لها أبعاد سياسية وشعبية و “نظافة كف” تعيد الثقة لهذا البلد بعدما تسبّبت “لغة المحاصصة” التي اعتمدها عهد ميشال عون وصهره بنسفها، وأن نترفّع عنها في سبيل إنقاذ لبنان ..
الحكومة المقبلة ستكون المقياس الذي يُظهر أي “عهد” نحن على وشك انطلاقته، وهل سنتجاوز منطق المحاصصة نحو تشكيلة حكومية تواكب التطورات وتتماشى مع مضمون “خطاب القسم”، وتعمل على بيان وزاري يحاكي “نبض” الناس بعيدًا عن معادلات البعض يراها “ذهبية” والبعض الآخر يعتبرها “خشبية” ..
“المطبات” السياسية كثيرة في طريق رئيسنا العتيد وهي بطبيعة الحال تختلف عن “مطبات” المؤسسة العسكرية، وطريقة مقاربته الأمور هي الفصل لأن الواقع اللبناني يحتاج جهودًا غير عادية للتعاطي معه، لهذا فإن الاستشارات النيابية قد تكون “قنبلة موقوتة” في بداية العهد ..
سعرهم معروف
مع إصرار البعض على نسف مبدأ “التوازنات” الذي يقوم عليه البلد، وهذه الفئة ينطبق عليها القصة التالية:
يُروى أنّ امرأةً حسناء وفاتنة جلست فى إحدى الحفلات بجوار الأديب الإيرلندي الساخر “جورج برنارد شو”، فسألها بهدوء : “سيدتي هل تقبلين أن تقضي معي ليلة في الفراش مقابل مليون جنيه استرليني؟”، فابتسمت المرأة وقالت: “طبعًا بكل سرور” ..
فعاد وسألها: “هل من الممكن أن نُخفّض المبلغ إلى عشرة جنيهات فقط؟” فغضبت المرأة وصرخت فى وجهه قائلة: “من تظنني أكون؟”.. نظر إليها بإمعان وقال لها بهدوء شديد :”سيّدتي نحن عرفنا من تكونين ولكن نحن فقط نختلف على الأجر”..”سيدتي هل تقبلين أن تقضي معي ليلة في الفراش مقابل مليون جنيه استرليني؟”، فابتسمت المرأة وقالت: “طبعًا بكل سرور” ..
فعاد وسألها: “هل من الممكن أن نُخفّض المبلغ إلى عشرة جنيهات فقط؟” فغضبت المرأة وصرخت فى وجهه قائلة: “من تظنني أكون؟”.. نظر إليها بإمعان وقال لها بهدوء شديد :”سيّدتي نحن عرفنا من تكونين ولكن نحن فقط نختلف على الأجر”..ت فى وجهه قائلة: “من تظنني أكون؟”.. نظر إليها بإمعان وقال لها بهدوء شديد :”سيّدتي نحن عرفنا من تكونين ولكن نحن فقط نختلف على الأجر”.. :”سيّدتي نحن عرفنا من تكونين ولكن نحن فقط نختلف على الأجر”..