كتب زياد شبيب في “النهار”:

صحيح أن هموم معظم اللبنانيين تتعلق بالمعيشة وبآفاق الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية العميقة المستمرّة، والتي لا تحجبها الازدحامات المرورية المترافقة مع مظاهر الإنفاق العارضة المعتمدة على أموال المغتربين الزائرين في موسم الأعياد. ولكن حال المؤسسات الدستورية التي تنعكس تفكّكًا على السلطات القضائية والإدارية وتصيب سائر مرافق الدولة، لا تزال مسألة شديدة الخطورة ليس بسبب الانقسامات السياسية وخلافات أهل السلطة بل بسبب انعكاسها المباشر على استمرار الأزمة وعلى انعدام آفاق الحلول التي لا يمكن إلا أن تبدأ بتحمّل تلك المؤسسات مسؤولياتها عند انتظام عملها.

في هذا السياق وصلت الأزمة إلى رأس قضاء الملاحقة أي النيابة العامة لدى محكمة التمييز وبدأت السيناريوات المحتملة لكيفية مواجهة الشغور القريب، وكما سبقت الإشارة الأسبوع الماضي، لم تُقارب أي منها احتمال التعيين بالأصالة في هذا المنصب الشديد الأهمية، بل دارت حول وسائل ترمي إلى تسيير شؤونه وفق المنطق الغالب في معظم المناصب الأخرى وهو الحلول الموقتة. وهذه الحلول تنطلق من نصوص قانونية ولا سيما من أحكام قانون تنظيم القضاء العدلي، ولكن كلًا منها إنما يعبّر عن خيار أو موقف يتعلق بالشخص الذي سيقع عليه الاختيار. لذلك تقتضي الموضوعية تفنيد هذه النصوص وتوضيح مقاصد المشترع فيها والدلالة على الصالح منها للمرحلة.

الأصل في تلافي الشغور المرتقب والناجم عن بلوغ السن الحكمية للتقاعد، أن يُصار إلى تعيين مدعٍ عام أصيل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. ولكن إذا غابت هذه الأداة القانونية وحصل الشغور يتم اللجوء إلى الأدوات القانونية الملحوظة في القانون. وقد جرى الحديث عن التكليف والانتداب اللذين نصت عليهما المادة المادة 20 من قانون القضاء العدلي، كما يلي:
“إذا تعذر على احد القضاة التابعين لمحكمة استئناف واحدة سواء كان من قضاة محاكم الدرجة الاولى او محكمة الاستئناف نفسها او من قضاة النيابة العامة او قضاة التحقيق القيام بعمله لأي سبب فللرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أن يكلف قاضيًا من القضاة التابعين له لتأمين أعمال القاضي المذكور. ولوزير العدل أن يقرر ما تقتضيه الضرورة من الانتدابات بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى.”

كما جرى الحديث عن أن الرئيس الأول لدى محكمة التمييز (أي رئيس مجلس القضاء الأعلى) الذي يمارس صلاحيات مماثلة لصلاحيات الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف (المنصوص عليها في المادة 20) في ما يخص محاكم التمييز، استنادًا إلى المادة 28 التي تنص على أن “يتولى الرئيس الاول في دوائر محكمة التمييز الصلاحيات العائدة الى الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بمقتضى المواد 19 و20 و21 من هذا المرسوم الاشتراعي”، له، أي الرئيس الأول، بموجب هذه الصلاحية أن “يكلّف قاضيًا من القضاة التابعين له لتأمين أعمال” النيابة العامة لدى محكمة التمييز.

لكن طبيعة هذه الأداة القانونية أي التكليف قاصرة عن معالجة حالة الشغور وهذا واضح من نص المادة 20 المذكورة، التي تتحدث عن التكليف عند تعذّر قيام أحد القضاة بعمله وحالة التعذّر المؤقت الناجم عن التغيّب بداعي المرض أو السفر تنعكس على طبيعة التكليف المعدّ لمعالجتها والذي لا يمكنه أن يعالج حالة الشغور.

أما الانتداب وهو الأداة الأخرى التي لحظتها المادة 20 نفسها، فهو بطبيعته يشكل العلاج القانوني المؤقت الذي يمكن اللجوء إليه في غياب التعيين بالأصالة. وهو يحتاج إلى قرار من وزير العدل مبني على موافقة مجلس القضاء الأعلى. ولا يمكن لهذين المرجعين إلّا ممارسة دورهما بصرف النظر عن التجارب السابقة وعن المواقف المتعلقة بالاختيار.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top