كتب رامح حمية في “الأخبار”:
نهاية تسعينيات القرن الماضي، التزم مزارعو البقاع بقرار حظر الزراعات الممنوعة. وعلى مدى سبع سنوات من عمر «برنامج الأمم المتحدة للتنمية الريفية المتكاملة في بعلبك الهرمل»، وبرامج السياسات البديلة، لم يحصدوا سوى وعود ونظريات وإرشادات، فيما اقتصرت «التنمية» الموعودة على تنفيعات للفريق العامل في البرنامج وعدد من السياسيين. لذلك، عادوا بعدها إلى زراعة القنّب الهندي بسبب أكلافه البسيطة وإلمامهم بزراعته، وعادت الدولة إلى سياسة إتلاف الحقول المزروعة، مديرة الأذن الصمّاء لاقتراحات تنظيم هذه الزراعة وفقاً لرخص قانونية، وآلية تضمن تسليم الدولة الإنتاج، وتصديره إلى دول تعتمده في صناعة الألبسة أو الحبال أو كمخدر طبي. إبّان موجة الإرهاب التكفيري وانشغال الجيش والأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب، انتعشت زراعة حشيشة الكيف، ووصلت إلى مستويات قياسية بموازاة اتساع سكك التهريب، إلى أن أقرّ مجلس النواب في أيار 2020 قانون ترخيص زراعة القنب الهندي. غير أن القانون لم يستتبع، حتى اليوم، بإصدار المراسيم التطبيقية أو تشكيل الهيئة الناظمة بسبب الخلافات السياسية على المحاصصة. وتزامن ذلك، بعد القضاء على الإرهاب التكفيري، مع التضييق على زراعة حشيشة الكيف عبر إقفال منافذ التهريب. لذلك، «الزراعة اليوم تحتضر» كما يؤكد أحد كبار مزارعي الحشيشة في غرب بعلبك لـ«الأخبار»، مشيراً إلى تراجع زراعة الحشيشة في الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة تصاعدية وصلت إلى 90% بين موسمَي 2021 و 2023. ويؤكد أحد مزارعي الحشيشة أنه، منذ موسمين، «توقفت عن الزراعة بعدما بعت آخر موسم من دون ربح بسبب قلة الطلب».
يقول أحد التجار في منطقة بعلبك إنّ غلة المواسم الثلاثة الماضية لم تُصرّف، وسيضاف إليها إنتاج هذا الموسم، في ظل انعدام الطلب، ما أدى إلى تراجع سعر هقّة الحشيشة (1200 غرام) ما بين 10 دولارات و30 دولاراً، من 80 دولاراً إلى 200 دولار، وبعدما وصل سعرها عام 2019 إلى 500 دولار»، عازياً ذلك إلى «تشدد الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية والسورية والأردنية». يجول الرجل في «مصنعه» بين العمال الذين شارفوا على الانتهاء من تصنيع الحشيشة، ويتحسّر على «النوعية الفاخرة والأجود في العالم. إذا منحتنا الدولة التراخيص سنتحول إلى القنب الهندي الذي يحقق أرباحاً خيالية». إذ إن «النبتة ليست بحاجة إلى الكثير من المياه أو المبيدات الحشرية أو الأدوية الزراعية والكيماوية وكلفتها تكاد تكون صفراً».