سعد الحريري عامان من الصمت قال فيها كل شيء!

“السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ
بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ..”
*أبو تمام الطائي

بقلم محمود القيسي- ديمقراطيا نيوز

نعم، عامان من الصمت قال فيها كل شيء… هناك مراحل يكون الصمت فيها أعلى صوتًا من الكلام… سعد رفيق الحريري، والصمت والصدق والكتب..!! الصمت أصدق انباءً من الكتب.. صمت دولة الضمير والوجدان والكرامة الوطنية سعد الحريري اصدق أنباءً من السيف والأنباء والتصريحات والكتب.. صمت دولة الرئيس الحريري أصدق أنباءً من الغضب في حده الحد بين الحلم واللهب.. مع الاعتذار لشاعرنا الكبير ابو تمام عن التصرف في قصيدته العصماء: “السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب”..

لا بد أحيانًا من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرين، الصمت فن عظيم من فنون الكلام. أو كما يقول نزار قباني: “هل تسمعوا أشواقي عندما أكون صامتًا؟ إنّ الصمت أيها السيدات والسادة هو أقوى أسلحتي… هل شعرتم بروعة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئًا”؟!.. وحده الصمت هو ذلك الشيء العاري الذي يخلو من الكذب. تعلموا الإصغاء إلى صمت من تحبون، لا إلى كلامهم فقط، فوحده الصمت يكشف معدن الرجال الرجال والقادة القادة. قد يرى البعض أن التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة، لكنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام، وأن الصمت أقوى من أيّ كلام. إنّ الصمت هو صراخ من النوع نفسه، أكثر عمقًا وأكثر لياقة بكرامة الإنسان.. بكرامة الرجال الرجال.

الصمت أفضل خيار يجمع عليه العالم كونه يتجاوز أختلاف اللغات والثقافات والعادات والتقاليد وتنوع الأفكار وتنوع الصلوات وتعدد الحجج والأدعية ويعبر في نفس الوقت عن الحزن وإحترام الفقد والفقدان والاعتراف بالفاجعة على كل المستويات والأبعاد الإنسانية والسياسية والاقتصادية والدينية والفردية والجماعية والاجتماعية والمجتمعية بصمت يطاول السماء… كتب إرنست همنغواي “يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين سنة ليتعلم الصمت”.

الصمت بالنسبة للشاعر والأديب رد مقبول، بل ثناء أيضًا. نشأت فكرة الصمت (بالوقوف دقيقة الصمت) من خلال أقتراح وجهه الصحفي الأسترالي إدوارد هوني لعدة صحف عالمية في مايو 1919.. فقد طلب مساندته في الترويج لفكرة تخصيص وقت محدد للصمت تقديرًا لضحايا الحرب العالمية الأولى في المنظمات الدولية.. وكان إدوارد قد أقترح في البداية الصمت لخمس دقائق، لكن ذلك أعتبره النقاد طويلاً جداً، فتم تبني فكرة الصمت لدقيقة واحدة فقط.

واليوم يكاد الصمت لمدة دقيقة يكون عرفًا عالميًا يمارس في منظمات الأمم المتحدة والمحافل الرسمية والمناسبات الدولية المشتركة ولكنه لا يكفي دقيقة واحدة في لغة الصمت وثقافتها ووجهها الحقيقي ومبادئها الحقيقية.. السيدة مريم العذراء نذرت على نفسها الصمت حين علم الناس بحملها بعيسى عليه السلام (فكلي واشربي وقرِّي عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا) ونبي الله زكريا صمت لسانه ثلاثة أيام حين طلب من الله آية على قرب رزقه بالولد الصالح (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويًا)..

أضف لهذا أن الصمت كان ومايزال سلاح المؤمنين حيال الجاهلين وأحد سماتهم الجميلة (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا).. اتخذ غاندي من المقاومة الصامتة في الهند أسلوبًا مبتكرا لطرد المعتدين وفضحهم أمام العالم حيث كان أتباعه يتقدمون في طابور من رجلين لدخول مقر الحاكم دون كلام فيسقطون بهروات الحراس أمام كاميرات الصحفيين حتى يتعب الحراس ويصبح موقف بريطانيا محرجًا أمام العالم… أما العرب فقد أبدعوا فعلًا في تعداد محاسن السكوت والصمت والمواقف الحاسمة وصمت الصوت العالي.

هذا ناهيكم عن (لغة الصمت) في ثقافة الحضارات القديمة من الصينية التي تعتبر احد أهم روافد الفكر والأبداع الإنساني على مر العصور والحضارات إلى اليابانية والإغريقية والمصرية القديمة والسومرية ومعظم مفاتيح الفكر الإنساني وفلاسفة التأملات الرواقية الذين أغنوا الإنسانية والمبادئ التي تقوم عليها قوة اللغة وقوة الصمت والثقافة قاطبة.. لا تتكلم في موقف يحتاج الصمت كما يقول جورج واشنطن، حيث يعرف القائد بمقدار الصمت الذي يحتفظ به.

الصمت واحد من أقوى الحجج التي يصعب دحضها، حيث إن الصمت هو الذي يغذي الحكمة والعقل الحسي والتجريبي والموقف… وفي بعض الأحيان صمتنا يعني أننا قلنا الكثير.. وفي أحيان كثيرة يكون الصمت أكثر فصاحةً من الكلمات…! الصمت كما يقول لاو تزو مصدر قوة عظيمة. الرئيس سعد الحريري بصمته الناطق لمدة عامان وخصوصًا عند ضريح شهيد الجمهورية الثانية قال كل شيء… قال ما عجزت عنه السيوف والقراطيس والأنباء والأقلام والكتب… قال ما لم يقوله أحد…

دقيقة الصمت تأتي أعظم حين تكون صادقة.. كما ان لكل مثل شعبي أصل وفصل وحكاية جعلته يترسخ بأذهان الناس ويتناقل بين الأجيال حتى وصل إلينا في يومنا هذا، فتجد الكثير من الأمثال الشعبية التي نتداولها دون أن نعرف معناها، ولعل أبرزها هو المثل الذي يقول: “يخلق من الشبه أربعين”.

نعم، يقال في الأقوال والأمثال المأثورة يخلق من الشبه أربعين.. لكن أشباهُكَ الاربعون… ليسوا بالضرورة من البشر.. ربما قصائد.. ربما نصوص.. ربما اقتباسات.. أو ربما أبطال في روايات… روايات الحب والوفاء والتضحية والبطولة الخالدة… نامة فى العشق تكفى يا ابو حسام.. نقطة تكفى.. شامة تكفي فلا تكثر عليك الحبر والأوراق.. كل مافى الكون تنقيط له.. إلا الهوى.. فبالتنقيط نهوى.. واِسألوا العشاق…!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top