بقلم خالد صالح
إني لأشمّ ريح .. التسوية !!
المراقب لحركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الآونة الأخيرة، يرى العجب العجاب، هذه الحركة التي لم تأتِ على الإطلاق من الفراغ الذي يلفّ الواقع السياسي في لبنان، وليست وليد صدفة، فالمعروف عن هذا الرجل “انتهازيته” المخيفة، ورصده الدقيق للتطورات الإقليمية والدولية، وبحثه الدؤوب عن اقتناص الفرصة متى حان .. قطافها !!
من يدقق جيدًا في أداء باسيل، يستشعر أنّ شيئًا ما بدأ يلوح في الأفق، بعيدًا عن هرطقات الرجل و “حمل السلّم بالعرض” دائمًا، فهو منذ أن حط “عمه” الرحال في قصر بعبدا رئيسًا بعد “تسوية” مسيحية – مسيحية أفرزتها اتفاقية معراب، تصرف كـ “الآمر الناهي” بكل شيء، ومارس فوقيته حتى على أركان تياره، ولم يترك شاردة وواردة إلا و “حط راسو” فيها، مستخدمًا سلاح التعطيل لغايات لا تعد ولا تحصى في نفس .. يعقوب ..!!
بوادر حل ما
لعنة “التسويات” الداخلية والاقليمية حلّت على لبنان، وباتت كل الأمور رهينة تسوية ما، ولأن الظروف من حولنا بدأت تتسارع بطريقة أكثر جدّية، شمّر باسيل عن ساعديه لاستثمار أي خلاصة ستصيب لبنان، وطالما أن “قالب الحلوى” يتمّ تحضيره على نار هادئة، إذا لا بد من الانتقال من خانة “العناد” إلى موقع “الشريك” بحثًا عن حصته من القالب، ولا مشكلة لديه بأن يسجل “تكويعة” هنا و ” تراجعًا” هناك، فهو يريد “أكل العنب”، أما “النواطير” فلا يريد لها أن تنام على ثقة بأنه قد انتهى ..
شهر آب على الأبواب، وهو الشهر الذي تبدأ فيه عجلة الحملات للانتخابات الرئاسية الأميركية بالدوران، ولأن واشنطن بإدارتها الحالية تبحث عن “نقاط قوة” لمعركتها المهزوزة خصوصًا بعد المناظرة الأخيرة بين بايدن وترامب، ولا ساحة ملتهبة أكثر من الساحة الشرق أوسطية، لذلك فإن إدارة بايدن تريد تسجيل بعض النقاط من خلال “تسوية” شاملة للمنطقة، ولبنان لن يكون بمنأى عنها ..
بدأ باسيل يمهّد لنفسه خطوات “النزول عن الشجرة”، وأدرك أن المكان المناسب “عين التينة”، وأيقن أن التعطيل في هذه المرحلة سيرتد سلبًا على وجوده السياسي متى تمت “التسوية”، لذلك بدأ الحديث عن سلّة تعيينات إدارية وأمنية ستقرّها الحكومة، وأظهر “ليونة” غريبة وغير مشهودة سابقًا على أدائه تجاه هذا الأمر، وربما قد نشهد جلسة لحكومة تصريف الأعمال “مكتملة” العدد في الأسبوعين المقبلين للمرة الأولى منذ حوالى السنة، وفي هذا تلويح مباشر أن بوادر الحل باتت قريبة .
الرئاسة على نار
إذا أردنا أن نضع نقطة في آخر سطر “المأساة” التي يعيشها لبنان، علينا أولًا أن نبحث عميقًا في المخارج لأزمة الرئاسة، ولأن ما يطلق عليه اصطلاحًا بـ “المعارضة” تفتقد للديناميكية المطلوبة، ولا تملك تصورًا واضحًا باستثناء محاولاتها لمنع وصول سليمان فرنجية بأي طريقة، قرأ باسيل آفاق التسوية المحتملة، خصوصًا أن “حزب الله” بات لاعبًا قويًا وسيكون حاضرًا بأي حل، وربما تكون “رئاسة الجمهورية” جائزة ترضية، لذلك ما المانع بأن أخفف من درجة “العناد”، وأن أستحوذ على بعض المواقع لتثبيت مكانتي في الحياة السياسية كـ “رقم صعب” ..
في “الكواليس” الضيقة يبدو أن باسيل في الطريق لتأمين “النصاب” في أي جلسة انتخابات مع حرية التصرف لجهة “عدم التصويت” لفرنجية، وثمن هذه الخطوة هو في الحصول على مواقع مهمة تكون بمثابة “خشبة الخلاص” له ولتياره في العهد الجديد، ويستعيد شيئًا من خسائره الفادحة في الشارع المسيحي، لأن الطرف الآخر سيلعب دور “المتفرج” حتى وإن أعلن أنه سيلتزم خط المعارضة ..
حرارة تموز
يقولون في المثل الشعبي “بتموز بتغلي الماء بالكوز”، هي ثلاثة أسابيع ستكون حامية جدًا، وستشهد مزيدًا من التقارب بين عين التينة وميرنا الشالوحي، على وقع المفاوضات الاقليمية والدولية لإنهاء الحرب في غزة وبالتالي في الجنوب اللبناني، وستتفرغ الديبلوماسية لترتيب شؤون المنطقة ككل ومن ضمنها لبنان، خصوصًا إذا ما عادت الحرارة إلى ملف المفاوضات الأميركية – الإيرانية حيال الملف النووي والعقوبات الاقتصادية على طهران، عناوين ستستخدمها إدارة بايدن لتحسين وضعها الانتخابي، وهذه المفاوضات قد تتوسع إلى بعض التفاصيل اللبنانية .
ولا شك بأن ما أفرزته الانتخابات التشريعية في بريطانيا وفرنسا، وتوجيه ضربة قاسية لليمين فيهما، مؤثرات كبيرة خصوصًا أنها قد تعيد “الحرارة” للشهية الفرنسية في لبنان، والتي لم تتخلّ عنها نهائيًا، لأن في ذلك محافظة على مصالحها في المنطقة، من هنا فإن “التسوية” قد تحمل معها انفراجات في السماء الملبدة لبنانيًا، ولا ضير لباسيل أن يهبط عن الشجرة وطي ملف مرحلة “التصادم” مع الحلفاء، في الوقت الذي مازالت “المعارضة” تراهن على “فرس أعرج” في سباق الكبار ..
