بقلم خالد صالح
يُحكى أنه في إحدى “العشائر” كان هنالك زعيم وكانت زوجته حاملًا، اجتمعت الرعيه لحضور ولادة ولي أو وليّة العهد، وكان في القصر قابلة (داية) وكانت موثوقة من الجميع ،لأنها لا تكذب، وتمتلك “طاسة” أداة اختبارها للمولود، بحيث تضعه فيها وهي ممتلئة بالماء، فإن طفا على وجهها أدركت أنه “ابن حرام” وإن غرق فيها عرفت أنه “ابن حلال”.
دخلت “الدّايه” لتوليد زوجة الزعيم وانتظر كبير مشايخ القوم ليزفّ البشرى للزعيم إن كان الطّفل ذكرًا أم أنثى، سمع الوزير صراخ المولود فوقف عند باب الغرفه ليكون أوّل من يتلقى البشرى، خرجت الدّاية
و سألها الشيخ “بشّرينا” .. فقالت : المولود ذكر وابن حرام..
قال الوزير : ماذا تقولين ؟ هذه زوجة الزعيم يا امرأة، قالت : أنا لا أغيّر كلامي المولود ابن حرام.
فسألها الوزير : كيف عرفتِ هذا ؟ قالت الطّاسة لا تكذب، كل طفل أضعه بعد الولادة في الطّاسة فإذا طفا يكون ابن حرام والعكس يكون أبن حلال ..
فقال الشيخ: أرني الطّاسة، وعلى الفور أحضرت القابلة الطاسة، فأخذها الشيخ وأمر برميها في بئر مهجورة، وقال لها: والآن أخرجي وقولي للجميع المولود ذكر و”ضاعت الطّاسة”، فتكوني قد حفظتِ كرامة الزعيم وعرض زوجته ولم تكذبي ..
العقدة المستدامة
مع بداية السنة الثالثة على الشغور في الرئاسة الأولى، لم ترقَ الجهود المبذولة من الجميع إلى مستوى فاعل لإنهائه والشروع نحو انتظام عمل المؤسسات الدستورية، ولاتزال القوى المعنية تتجاذب الأمر وكأننا نملك ترف الوقت ونحن نعيش أخطر وأدق المراحل بالإضافة إلى حربٍ همجية يشنها علينا العدو الاسرائيلي، حتى صارت الانتخابات الرئاسية “عقدة مستدامة” يجب علينا أن نعيشها كل استحقاق .
بين الحرب والحوار والجلسات المفتوحة والبحث عن أسماء “غير مستفزّة”، نجد أنفسنا دومًا على مشارف الهاوية، بانتظار “مبادرة” حقيقية تضع حدًّا لهذه الأزمة، مبادرة أظهر الأفرقاء السياسيون عجزهم عن اجتراحها، وحتى “اللجنة الخماسية” علّقت أعمالها نتيجه يقينها أنه لا حلول سحرية تملكها لكسر المواقف الحادة للأفرقاء في لبنان،
يُجمع مختلف السياسيين اللبنانيين اليوم على اختلاف توجهاتهم على مأزق النظام السياسي، لكن أيًّا منهم لا يملك تصورًا واضحا لـ “نظام بديل” يمكن أن يحظى بإجماع وطني ويخرج لبنان من أزمته، إذ لطالما كان الاستقرار السياسي بعد الحرب الأهلية مرهونًا بالاستقرار الاقتصادي والتوازن الطائفي الداخلي وتوازن النفوذ الإقليمي في البلاد، لكن أيًّا من ذلك لم يعد قائمًا الآن.
منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بدأ العجز والعفن يظهر في النظام السياسي الذي لم يعد قادرًا على إنتاج حالة سياسية مستقرة لفترة طويلة كما كان الحال بعد اتفاق الطائف، بحيث ظهرت للعلن معضلة عجز اللبنانيين في حكم أنفسهم بأنفسهم، وساهمت التلقلبات التي عرفها لبنان منذ ذلك الحين في ترسيخ هذا المشهد، وصرنا بحاجة إلى “طاسة” لنحدد فيها “أولاد الحلال” من “أولاد الحرام” الذين يستحقون أن نُسلمهم قيادة البلاد .
الطاسة ضايعة
أسهمت التحولات الاقليمية مجتمعة إلى جانب الفساد المتأصل في الدولة نتيجة للمحاصصة الطائفية والمذهبية، في إيصال لبنان إلى مرحلة ضعفت فيها قدرة النظام السياسي على مواصلة إدارة الأزمات بالشكل الذي اعتاد عليه في السابق، وذهبت كل التحذيرات من شغور رئاسي طويل الأمد أدراج الرياح، حتى أصبح الأمر يحتاج إلى “ولادة قيصرية” نفتقد فيها إلى كل مقومات الجراحة الناجحة .
تتمثل الخطوة الأولى الملحة في سبيل الخروج من المأزق في توافق الأطراف السياسية على مرشح رئاسي يحظى بإجماع الأطراف الفاعلة، فأي خطوة لا تكون بهذا الاتجاه يعني الاستمرار بالشغور، من هنا فعليًا علينا إيجاد “الطاسة” التي نختبر فيها الأسماء المرشحة لملء الفراغ، من دون أن نتجاهل جملة من الأمور التالية:
أولًا : لعب الرئيس سعد الحريري دورًا بارزًا في التسوية الرئاسية السابقة، وأيّد الاجماع المسيحي الذي أنتجه “تفاهم معراب”، لكنه الآن خارج المعادلة السياسية ولا يوجد زعيم سياسي سنّي يُمكنه أن يقود تسوية جديدة محتملة.
ثانيًا: لا توجد حتى الآن شخصية وسطية لتولي الرئاسة يمكن أن تحظى بإجماع مختلف الأطراف، حتّى قائد الجيش لم يعد وسطيًا بالمعنى الحرفي للكلمة بنظر البعض في لبنان .
ثالثًا: كانت الرعاية الإقليمية والدولية لانتخاب عون أساسية في تسوية الـ 2016، لكنّ توفر مثل هذه الرعاية مجددًا يبدو صعبًا في ضوء أن الدول الخليجية، التي كانت راعيًا أسياسيا لسنّة لبنان بعد الحرب الأهلية، لم تعد راغبة في منح شرعية لأي تسوية رئاسية توصل شخصية مقربة من حزب الله إلى قصر بعبدا.
في ظل المخاطر الراهنة، قد يكون بمقدور القادة السياسيين في لبنان التوصل إلى تسوية موّقتة للحدّ من الأضرار الناجمة عن الفراغ الرئاسي، بما في ذلك التفاهم على ترتيب جديد يتيح لحكومة تصريف الأعمال الحرية المطلوبة للموافقة على الإصلاحات الاقتصادية، وبعض التعيينات في المراكز الأولى، لكن مثل هذا التفاهم، إن حصل، لا يمكن أن يشكل بديلًا مستقرًا للتفاهم على رئيس جديد، لأن منصب الرئيس يعكس توازن القوى السياسي والطائفي ويضع البلاد أمام فرصة الانقاذ.