بقلم خالد صالح
يُحكى أن رجلًا يمتلكُ “حمارًا” بان الكِبّرُ عليه وفَتُرت همّته وصار يُشكّل عبئًا على صاحبه، فقرر بيعه وشراء “حمار” جديد يُعينه في أعمال الحراثة والزرع، وبالفعل ذهب به إلى السوق وحاول طويلًا إلى أن استطاع بيعه بـ “خمسين ليرة”، وقفل عائدًا إلى البيت فرحًا بإنجازه، وسُرّت زوجته بذلك معتبرة أن زوجها بارع في البيع والشراء.
في اليوم التالي، ذهب الرجل إلى السوق مجددا لشراء “حمار” جديد، فوقعت عيناه على حمارٍ “مهفهف” وعلى ظهره سرج جديد، فعقد العزم أنه لن يُغادر السوق إلا والحمار الجديد معه، ونجح بعد عناء طويل بإقناع صاحبه ببيعه بـ “مئة ليرة”، وعاد به إلى بيته، وتفاجأ الرجل بأن الحمار كان يسير من دون إرشاداته نحو البيت، لا بل دخل فورًا إلى الحظيرة واتجه نحو معلفه، وكأنه “من أهل الدار، ولما رأته زوجته قالت “الحمار حمارنا” لكن تم ترتيبه وقص شعره وصبغه، بعته بـ “خمسين” لتشتريه بـ “مئة” فيل لك من بائع أحمق ..
بين سطور هذه الواقعة الشعبية، نقف أمام القرار ١٧٠١ متسائلين : ألم يكن القرار معنا وبين أيدينا، فقمنا بالمناورة عليه، وها نحن اليوم أقصى أمانينا أن نعود إلى القرار ذاته من دون زيادة أو نقصان، بينما يريد العدو الإسرائيلي أن يقصّ منه ما يريد ويصبغه بما يُريد ليعيده إلينا كما يتمنى وكما يريد ..
مفاوضات تحت الزنار
مَن يراقب نزعة التصعيد والتدمير الإجرامي التي يتبعها العدو الإسرائيلي يعرف وبلا أي جهد أنه يمارس ضغوطًا كبيرة على لبنان الرسمي والمقاوم بهدف الرضوخ لشروطه لوقف العدوان والتوصل إلى وقف لأطلاق النار، وأن لبنان يعمل جاهدًا للإبقاء على تفاصيل القرار كما هي، والخروج باتفاق لوقف العدوان من دون تحقيق رغبة العدو الهادفة إلى تسجيل إنجاز ما .
مسودة الاتفاق التي تعمل عليها واشنطن، والتي يحاول لبنان تعديلها بما لا يسمح للعدو بتحقيق مبتغاه تتضمن النقاط التالية:
أولًأ: تأكيد الطرفين على أهمية القرار ١٧٠١ الصادر عن الأمم المتحدة.
ثانيًا: ضمان حق الدفاع عن النفس وتنظيم الوضع العسكري في المنطقة.
ثالثًا: كما تتضمن المسودة خطوات محددة لسحب القوات الإسرائيلية مع استبدالها بالجيش اللبناني في الجنوب.
رابعًا: يلتزم لبنان بنزع سلاح أي مجموعة عسكرية غير رسمية في الجنوب خلال ٦٠ يوما من توقيع الاتفاق.
وأفادت المصادر المتابعة أن تم “حزب الله” تسلّم نسخة من المسودة وبأن الحزب سيدرس النقاط الواردة فيها ثم يبلغ بري بملاحظاته عليها، مع العلم بأن المفاوضات بين إسرائيل والولايات المتحدة غالبا ما تكون موجهة لخدمة المصالح الإسرائيلية، وهو ما كان في جميع المفاوضات السابقة سواء المباشرة أو غير المباشرة، حتى في الوضع الحالي في قطاع غزة، من هنا يعمل العدو على رفع وتيرة النار بشكل إجرامي وتدميري بهدف الضغط للموافقة على شروطه، وبالتالي لم تعد فقط “تحت النار” بل صارت “تحت الزنار” ..
مسوّدة ملغومة
حتى اللحظة يبدو أن العرض المقدم إلى لبنان يشبه إلى حد بعيد ما حدث في الماضي، حيث يتضمن “ورقة ملغومة” تحتوي على بنود يستحيل على لبنان القبول بها، رغم وجود بعض النقاط الإيجابية، إلا أن هناك بنودا سلبية تستدعي دراسة دقيقة قبل الموافقة عليها، وربما يتعين على لبنان إعادة النظر فيها مع المفاوض الأميركي.
وحتى اللحظة يبدو أن واشنطن تأخذ في اعتبارها مصالح إسرائيل وكأنها قد حققت انتصارا، وبالتالي ستكون الردود اللبنانية مزيجًا من الإيجابيات والسلبيات، ولبنان لن يتحمل مسؤولية إفشال الاتفاق بل سيركز على طرح تساؤلات حول الورقة المقدمة، مما يتطلب إعادة بلورتها ومناقشتها مجددًا، خصوصًا فيما يتعلق بوجود لجنة مراقبة، ويطالب لبنان أن تقتصر على اللجنة الواردة في القرار ١٧٠١ دون الحاجة إلى لجنة موسعة تشمل بريطانيا وألمانيا.
من هنا تبدو مسألة “الدفاع عن النفس” التي ذكرتها هيئة البث الإسرائيلية، والتي أشار إليها الرئيس نبيه بري بتوصيف غياب “حريات الحركة”، ويبدو التساؤل منطقيًا حول ما إذا كانت هذه الفقرة تخص العدو الإسرائيلي فقط أو كلا الطرفين، وعن مدى السماح لتل أبيب باستخدام هذا الحق في كل مرة تشك فيها بوجود بنية عسكرية أو شخص أو سيارة مشتبه بها، وما إذا كان يحق لها حينها تنفيذ عملية عسكرية أو حتى فتح حرب.
من هنا فإن هذه النقاط بحاجة إلى دراسة معمقة نظرا لأنها “مليئة بالفخاخ”، وعلى المفاوض اللبناني أن يتصرف بذكاء واستخدام الغموض بشكل مدروس لتجنب الرفض الكامل، بالإضافة إلى إظهار أجواء التفاؤل ونشرها للاستفادة من النقاط الإيجابية في الورقة، مع الحذر من المراوغات التي يمارسها رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما حدث في المفاوضات السابقة.
خاتمة منتظرة
بعيدًا عن تفاصيل المفاوضات التي تسعى إسرائيل لاستثمار نتائجها، خصوصًا مع قدوم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي قد يسعى لتحقيق مكاسب سياسية، لذلك من الواجب الحذر من الأفكار الخطيرة التي يتلاعب بها كل من الجانبين الإسرائيلي والأميركي، لاسيما أن الإسرائيليين يعتمدون سياسة التفاوض تحت النار مع تصعيد مستمر وضغط متزايد، في محاولة للسيطرة على مرحلة التصعيد بهدف إضعاف إرادة المقاومة، لذلك فهي ليست فقط تحت النار بل هي محاولة ضرب قاتل خارج القواعد المعمول بها، على قاعدة رياضة “الملاكمة” أو الفن النبيل، الضرب تحت الحزام، من هنا تظل مجريات الميدان العامل الأكثر تأثيرًا ..
إن هدف العدو الإسرائيلي هو ممارسة الضغط على المفاوض اللبناني والبيئة الحاضنة له بهدف زعزعة خياراتهم وزرع روح الانهزام في الأوساط الدبلوماسية والشعبية، ورغم التصعيد الإسرائيلي، فإن المقاومة ترد بالنار مما يحول دون تمكن جيش الاحتلال من تحقيق ما فشل في تحقيقه ميدانيا، عبر التفاوض.
وعليه فإن معظم النقاط المطروحة إعلاميا تمسّ السيادة اللبنانية ولا تستوفي شروط تنفيذ القرار الأممي ١٧٠١، ونقاط الاتفاق أظهرت أن العدو يريد تجاوز الخط الأزرق وأزاحة النقاط الحدودية المعتمدة منذ عام ٢٠٠٠، رغم أن القرار ١٧٠١ ينص بوضوح على احترام حدود لبنان التي انتهكتها بشكل صارخ.
حتى اللحظة فإن فترة الـ ٦٠ يومًا، وما يترتب عليها من إجراءات لاتزال موضع تجاذب، والمفاوض اللبناني يدرك خفايا “النوايا” الاسرائيلية ولديه كل الحنكة لردعه والوقوف بوجه شروطه، حتى وإن حاول العدو الضرب “تحت الزنار” ..