
بقلم خالد صالح
خلال عملية سطو في مدينة نيويورك صرخ اللص موجهًا كلامه إلى الموظفين داخل البنك :لا تتحركوا فالمال ملك الدولة وحياتكم ملككم، فاستلقى الجميع على الأرض بكل هدوء .. وهذا ما يسمى بمفهوم “تغيير التفكير”، وعندما انتهى اللصوص من السرقة قال اللص الأصغر والذي يحمل “شهادة جامعية” لزعيمهم وكان خريج الدراسة الأبتدائية :يا زعيم دعنا نحصي كم من الأموال أخذنا !!.
قام الزعيم بنهره وقال له: أنت غبي؟! هذه كمية كبيرة من الأموال وتأخذ منا وقتًا طويلًا لعدها، الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الأموال.. !!وهذا ما يسمى “الخبرة”، وفي هذه الأيام الخبرة أكثر أهمية من الشهادات العلمية والمؤهلات الورقية.
بعد أن غادر اللصوص البنك، قال مدير البنك لمدير الفرع : اتصل بالشرطة بسرعة، ولكن مدير الفرع قال له: إنتظر دعنا نأخذ 10 ملايين دولار ونحتفظ بها لأنفسنا ونضيفها الى الـ 70 مليون دولار التي قمنا بأختلاسها سابقا !!.. وهذا يسمى “السباحة مع التيار” وتحويل الوضع لصالحك.
قال مدير البنك : اذن سيكون الأمر رائعا اذا كان هناك سرقة كل شهر، وهذا ما يسمى بـ “التمادي”، وفي اليوم التالي ذكرت الأخبار أن 100 مليون دولار تمت سرقتها من البنك !!..
قام اللصوص بعدِّ النقود فوجدوا أن المبلغ هو 20 مليون دولار فقط، غضبوا كثيرًا وقالوا نحن خاطرنا بحياتنا من أجل 20 مليون دولار ومدير البنك حصل على 80 مليون دولار من دون أن تتسخ ملابسه، يبدو أنه من الافضل أن تكون متعلمًا بدلا من أن تكون لصًّا، وهذا ما يسمى “المعرفة تساوي قيمتها ذهبا”
كان مدير البنك يبتسم سعيدا لانه اصبح مليونيرًا وجميع خسائره في البورصة تم تغطيتها بهذه السرقة وهذا ما يسمى “اقتناص الفرصة “، فاللصوص الحقيقيون هم غالبا ذوي المناصب العليا، لكنهم لصوص بشهادات ..
الجنازة حامية
في حمأة المناقشات الدائرة سرًا وجهرًا، في الخفاء أو علانية، حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، وبينما يحاول الرئيس المكلّف “نوّاف سلام” تدوير الزوايا بهدف وضع تصوّر أوّلي لشكلها لعرضه على رئيس الجمهورية، بدأ “لعاب” الجميع يسيل بكثرة على المشاركة فيها سعيًا إلى دخول “جنة الحكومة” والحصول على وزارات فيها لخدمة تطلعاتهم من دون الألتفات إلى “مصير الوطن”، الغارق في أزماته المتلاحقة نتيجة تقاعسهم هم أنفسهم في مراحل سابقة وعجزهم الفاضح عن تقديم برامج للحل تُسهم في التأسيس للخروج منها .
انطلاقًا من هذا الواقع المأساوي عادت لعنة “الأعراف والبدع” تطلّ برأسها على واقعنا الدستوري، وعادت بدعة التمثيل النيابي وأحجامه لتقف حجر عثرة في طريق التأليف، وفي نظرة دقيقة على مواد الدستور اللبناني، نكتشف أنه لم يأتِ أبدًا على ذكر هذه البدعة (لكل أربعة نواب وزير)، بحيث بدأت بعض الكتل الصغيرة تمارس هوايات “القص واللصق” لتكبير حجمها بهدف الحصول على حقيبة وزارية .
التأليف والتشكيل يقوم بهما “الرئيس المكلف” بالاتفاق مع رئيس الجمهورية حصرًا، ودور المجلس النيابي أيضًا حصرًا هو مناقشة “البيان الوزاري” وبناءً على تفاصيله يُقرر منحها “الثقة” أو حجبها، ويلعب دور المراقب لعملها والمحاسب لها على مشاريع القوانين التي تقدمها، فإن كانت كل الكتل مشاركة في الحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة .. مَن الذي سيحاسب ؟.
لكنها “لعنة التوزير” التي ضربت الجميع، بحيث بدأت المطالب تنهال على الرئيس المكلف قياسًا على الأحجام، والدستور اللبناني لم يتطرق أصلًا إلى هذا الأمر، ليس على مبدأ المشاركة في عملية الإصلاح المنشودة، بل هي “المصالح” الذاتية للأفرقاء السياسيين لخدمة مشاريعهم وتنفيعاتهم، وهم يُدركون تمامًا أن “الجنازة حامية” .. والبقية معروفة !!
الأعراف تقتل الدستور
ينصّ الدستور اللبناني على قواعد واضحة تُنظم عملية تأليف الحكومات وطريقة عملها، غير أنّ النصوص تصبح بمثابة الحبر على الورق عندما يتدخل “العرف” في التفاصيل وهناك يكمن “الشيطان”، ويصبح الأمر خطيرًا عندما يصبح العرف دستورًا غير مكتوب، قائمٌ على “تفاهمات” آنية بين الأقطاب، وأمام هذه الاندفاعة نحو المشاركة في الحكومة الجديدة، تسقط كل الشعارات والاتهامات المتبادلة السابقة، وتصبح المشاركة ضرورية لا بل أكثر من ذلك، ويستعيد “العرف” حضوره القوي على حساب الدستور .
بدأت “طموحات” الرئيس المكلف تصطدم بـ “واقع” كان يعتقد أن لبنان ونتيجة للتطورات المتسارعة قد خرج منه وعليه “اغتنام الفرصة”، لكنه بدأ يكتشف محاولة البعض “سرقة” المقاعد الوزارية على قاعدة مدير البنك ومدير الفرع “السباحة مع التيار”، وأن “المحاصصة” لاتزال قائمة وأكثر من ذي قبل وأن عليه “التعايش” مكرهًا معها للخروج بـ “حكومة” بأقلّ الأضرار، لانه يعلم أن “التهافت” على الحكومة هو تهافت “لغاية في نفس يعقوب” الانتخابات النيابية المقبلة .
يليق بنا في هذا المقام أن نستذكر كتاب الإمام الغزالي “تهافت الفلاسفة” ورسالة الاعتراض عليه من ابن رشد في كتاب “تهافت التهافت”، بأن نؤكد أن البعض يجد أن الفرصة من خلال المشاركة في الحكومة حتى ولو كانت تجمع “الأضداد” أفضل بكثير من البقاء خارج جنة الحكم، وبهذا المبدأ، تسقط قاعدة المعارضة والموالاة الديموقراطية، وتسقط معها كل النداءات السابقة لـ “عزل” من شارك سابقًا، وبوسعنا أن نقول “تهافت الأحزاب” قد بلغ مداه .