
بقلم خالد صالح
عندما وقف الرئيس سعد الحريري على درج البيت الأبيض خلال زيارته إلى واشنطن في شهر آب من العام 2019 مصرّحًا أن قضية سلاح “حزب الله” مسألة أكبر من مقدرة الدولة اللبنانية على معالجته أو مقاربته لأن ارتباطاته الإقليمية هي الجهة المقررة بشأنه، وأن اللحظة المناسبة لم تأت بعد لطرحه بشكل جدّي على الطاولة اللبنانية.
قامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذا التصريح، وتعرّض الحريري آنذاك لحملة ممنهجة واتهامات شتّى بالانبطاح والتخاذل و “مسايرة” الحزب، ومنذ ذلك الوقت رُفعت شعارات “ديماغوجية” فارغة عن مسألة نزع سلاح المقاومة، لم يتحقق منها أي شيء، وبقيت المراوحة سمة هذا الملف، إذ لم يكن في الأفق ما يُبشّر بوضع هذا الملف قيد المعالجة، فهل وصلنا إلى هذه اللحظة ؟ .
عمليًا وبعد انتهاء الحرب دخل لبنان منعطفًا جديدًا في مسألة نزع السلاح، سواء سلاح حزب الله أو السلاح في المخيمات الفلسطينية أو ذلك المتفلّت من دون حسيب أو رقيب في مختلف المناطق اللبنانية، وصار من الطبيعي أن نرى تفاصيل “الحرب الناعمة” حول هذا العناوين، بحيث تتداخل فيها عوامل كثيرة، سياسية وأيديولوجية وأجندات متنوعة الأهداف والرؤى، خصوصًا مع استعادة الدولة اللبنانية “هرميتها” الكاملة ودخلت في ترتيبات دولية معنية بهذا الأمر.
الحرب الناعمة
من دون شك صار موضوع سلاح حزب الله محل نقاش علني بلا أيّ تردد، بعدما أثبت في مكان ما “عجزه” في تحقيق العنوان الذي بقي لأجله “حماية لبنان”، وتحوّل “النداء الخجول” بضرورة نزعه من صالونات سياسية محددة إلى مطلب رسمي للسلطة اللبنانية، ولم يعد “محرمًا” الاقتراب من هذه المعضلة كما كان في السابق نتيجة تراكم مجموعة عوامل محلية – إقليمية – دولية بهذا الخصوص، بل صار “مباحًا” ومن الضرورة بمكان مقاربته لوضع تصور مناسب للاستراتيجية الدفاعية .
من هنا بدأ النقاش ينتقل إلى مستويات رفيعة تدرس هذا الأمر، لاسيما أن الجيش اللبناني يبسط سيطرته تدريجيا على جنوب نهر الليطاني ويتسلّم النقاط من “المقاومة”، وتزداد هذه السيطرة يومًا بعد يوم، بانتظار أن يلتزم العدو الاسرائيلي بمندرجات القرار 1701 والانسحاب الكامل من جميع النقاط التي لاتزال تحت الاحتلال، لأن هذا الأمر قد يُربك السلطة اللبنانية الرسمية التي تبحث عن كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة ليلوع نهاية مرجوة لهذا الملف الشائك.
وحتى اللحظة يبدو أن مضمون خطاب القسم وتفاصيل البيان الوزاري اللذان تضمنا مسألة السلاح قد وضعا على نار هادئة، رغم الضغوطات الدولية التي تُمارس بهذا الملف، مع تراكم مجموعة من المعطيات الإقليمية التي قد تجعل النهاية المرجوة قاب قوسين أو أدني، لكن المعضلة القائمة حاليًا أن لاتصوّر واضحا لأي خطة حكومية تجعل تنفيذه قيد الواقعية اللبنانية .
الوقت بين أيدينا
من المؤكد أن قضية نزع السلاح غير الشرعي عمومًا وسلاح حزب الله خصوصًا لم يعد عصيًا على التداول، بالرغم من تكرار “المعزوفة” بأن السلاح باقٍ وأن قضية نزعه غير مطروحة على الاطلاق، بل وأكثر من ذلك بلوغ البعض حد “تحريم” التداول في هذا الملف، لكن الدولة اللبنانية تُدرك أن قضية حله تتطلب وقتًا لبلورة المشهد النهائي له .
بين “الحرام” من جهة و “المباح” من جهة ثانية، آن الأوان لهذا الملف أن يٌقفل، وأن يلتقي الجميع على مسار واحد يتقاطع مع النظرة الاقليمية والدولية للخروج بخطة واضحة تحصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية وتستعيد هيبتها كاملة على الأراضي اللبنانية، خصوصًا أن مسألة الاعمار باتت مرتبطة بإقفال هذه القضية، والمقاومة تعرف هذا الأمر جيدًا لكنها تحاول الخروج بصورة تتوافق مع متطلبات المرحلة المقبلة .
ثمّة خطوات جدّية وكثيرة على الحكومة اللبنانية اتخاذها والسير بها، فمسألة الأمن تأتي في قائمة الأولويات وهي الدافع الأساسي لجذب المستثمرين من أصقاع الأرض، للشروع في بناء الهيكلية الاقتصادية للخروج مما نعانيه منذ سنوات، من هنا فإن طرح مسألة نزع السلاح، كل السلاح، صار لزامًا علينا داخليًا وخارجيا، ولم يعد هذا الأمر حرامًا بل مباحًا بكل ما تعنيه هذه الكلمة .