
بقلم ندى جوني
منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، تحوّل لبنان تدريجياً إلى اقتصاد خدماتي وريعي يعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي، الذي بات يشكّل أحد أعمدة النمو ومحركاً أساسياً للدورة الإقتصادية، وخصوصاً في المواسم التي تستقطب الزوار من الخارج، ولا سيما من دول الخليج. لكنه بقي عرضة للتقلّبات السياسية والخضّات الأمنية التي كانت كفيلة في كل مرة بإيقاف عجلة النشاط السياحي. في المقابل، شكّلت حرب الإسناد التي استمرت نحو عام، وانتهت بشنّ إسرائيل عملية عسكرية واسعة دمّرت أجزاء من البنية التحتية ودفعت آلاف اللبنانيين إلى النزوح، محطة مفصلية ساهمت في تقويض ما تبقى من الإستقرار السياحي. وزاد من خطورة الوضع، التصعيد الإقليمي الأخير بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى الخروقات الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان رغم إعلان وقف إطلاق النار. في ظلّ هذا الواقع، يحاول القطاع السياحي اليوم أن يعيد ترميم نفسه ويصمد أمام الإنهيار. وفي هذا السياق، أجرى موقع “ديموقراطيا نيوز” مقابلة مع وزيرة السياحة لورا الخازن لحود، ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، للوقوف على واقع القطاع السياحي في الوقت الراهن، واستشراف مستقبله في ظل التحديات الأمنية والسياسية المتلاحقة.
لورا الخازن لحود: نسير نحو الاستقرار رغم التحديات… ونركز على المشاريع التي تدعم السياحة المناطقية
تؤكد وزيرة السياحة لورا الخازن لحود أن الأرقام السياحية تأثرت بشكل نسبي بفعل الحروب والتصعيد الأمني، إلا أن ما يحدث رغم صعوبته، قد يشكل خطوة باتجاه الاستقرار، مشدّدة على أن “لبنان يتقدم إلى الأمام لا إلى الوراء”. كما وتوضح أن الحجوزات لشهر حزيران شهدت تراجعاً ملحوظاً، إلا أن حجوزات شهر تموز ما زالت قائمة، ما يشير إلى قدرة القطاع على الصمود في وجه الضغوط المستمرة.
وفي إطار العمل على تقييم وتطوير الأداء السياحي، لفتت الخازن إلى التعاون القائم مع شركة LPSN من أجل تتبّع الأرقام السياحية بدقة سنوية، بانتظار استكمال عملية المكننة التي من شأنها تسهيل هذا التقييم. وعلى الرغم من تأثير الحروب على عدد الوافدين، إلا أن الوضع لا يزال “مقبولاً”، بحسب تعبيرها.
وتشدّد الخازن على أهمية المهرجانات في دعم الاقتصاد المناطقي وتعزيز اللامركزية، مشيرة إلى أنها “لا تحصر النشاط السياحي في مناطق محددة، بل تساهم في وضع لبنان مجدداً على الخارطة السياحية، وخلق دورة اقتصادية متكاملة في مختلف المناطق”. كما كشفت عن مشاريع جديدة ومتنوعة قيد التحضير، منها السياحة البيئية مثل الهايكينغ، والسياحة الزراعية كأنشطة قطف الفاكهة (الكرز، الدراق، التفاح)، إلى جانب السياحة الطبية والدينية، المدعومة بالتنوّع الطائفي والثقافي الفريد في لبنان، والسياحة الثقافية المرتبطة بالمتاحف والمعارض والمهرجانات.
وفيما يخصّ التسويق والترويج، أشارت إلى التعاون القائم مع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لتواجد الشباب المستمر على هذه المنصات، بهدف إيصال صورة لبنان السياحية إلى جمهور أوسع. كذلك، هناك تنسيق مع الأمن العام ووزارة الداخلية لتحسين تجربة المسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي.
وفي ما يتعلّق بالأسعار، أوضحت الخازن أن هناك تعاوناً مع وزارة الإقتصاد، إضافة إلى تنسيق مع القطاع الخاص والنقابات، لضبط الأسعار وتعزيز الشفافية والمصداقية. وشدّدت على أن “لكلّ صاحب عمل حرية تحديد الأسعار، لكن من واجب المؤسسات الالتزام بالتسعيرات المُعلنة، ليكون المستهلك قادراً على اتخاذ قراره بناءً على معلومات واضحة”.
وأشارت إلى أن تفاوت الأسعار في لبنان يعود أيضاً إلى كلفة الخدمات الأساسية المرتفعة كالكهرباء والمياه، وهي عوامل خارجة عن نطاق الوزارة، كما أن أسعار بطاقات السفر المرتفعة تعود إلى كلفة التأمين التي تتحملها شركة طيران الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن تحقّق الأمن والاستقرار كفيل بفتح المجال أمام المنافسة وخفض الأسعار على المدى المتوسط.
نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر: الإستقرار السياسي والأمني شرط لانتعاش السياحة
يشير نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر إلى أن انتخاب رئيس للجمهورية لا يُعتبر فقط استحقاقاً سياسياً داخلياً، بل هو ضرورة ملحّة للإستقرار العام، وانعكاس مباشر على صورة لبنان الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بالقطاع السياحي. فالسياح، كما يوضح، يتطلّعون دائماً إلى مؤشرات استقرار واضحة، على رأسها وجود سلطة سياسية شرعية ومؤسسات دستورية فاعلة، تفتح الباب أمام مشاريع إنمائية وتنموية تُعيد الثقة بالبلد وتُعزّز فرص الإزدهار.
ويؤكّد الأشقر أن الحروب تبقى العدو الأول للسياحة، موضحاً أن الضربة القاسية للموسم الحالي بدأت ليلة عيد الأضحى، بعد القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، ما أدى إلى إلغاء نحو 80% من الحجوزات التي كانت مقرّرة حتى 15 تموز. أما بالنسبة للحجوزات التي تلي هذا التاريخ، فهي ما زالت قائمة، وإن كانت عرضة للتبدّل في حال استمرار التوتر الأمني. كذلك، ساهمت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل الشهر الماضي، في إغلاق الأجواء وتعطيل حركة السفر، مما وجّه ضربة إضافية للموسم السياحي.
وعلى الرغم من وجود العديد من المشاريع والمقترحات القادرة على تفعيل القطاع السياحي وتطويره، خصوصاً من ناحية تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية كالكهرباء والمواصلات، إلا أن الأشقر يشدّد على أن الخطر الأكبر الذي لا يزال يتهدّد السياحة في لبنان، هو استمرار الخضات الأمنية وعدم الاستقرار.
يبقى القطاع السياحي في لبنان ركيزة مهمة للإقتصاد الوطني، لكنه لا يجب أن يكون الركيزة الوحيدة التي تعتمد عليها البلاد.إذ يكمن إنّ الطموح الحقيقي في إعادة بناء لبنان كدولة صناعية وزراعية قادرة على تحقيق الإكتفاء الذاتي لأبنائها، قبل أن نركّز فقط على جذب السياح. فدعم القطاعات الإنتاجية المختلفة هو السبيل لضمان استقرار اقتصادي واجتماعي مستدام، يضع لبنان أولاً على خارطة الإنتاج والتنمية الحقيقية، ثم على خارطة السياحة العالمية. بهذا النهج المتوازن، يمكننا أن نعيد بناء بلد قوي ومتنوع، يصمد أمام الأزمات ويحقق رفاهية مواطنيه.