كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
شكلت عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري، بالإضافة إلى قائدين من كتائب القسام وأربعة عناصر من الحركة، من قِبَل اسرائيل، مادة دسمة للتحليلات حول كيفية حصولها نظراً لدقتها، فذهب البعض الى اعتبار ان صواريخ اطلقت من مسيرة في حين نفى اخرون الفرضية هذه باعتبار ان المسيّرة لا يمكن ان تجتاز مسافة ابعد من 80 كلم ومنهم من توقع ان تكون انطلقت من داخل المنطقة المستهدفة في حين رجح اخرون ان تكون طائرة حربية اطلقت الصواريخ الثلاثة، فما هي النظرية الادق عسكريا وتقنياً؟
العميد المتقاعد جورج نادر يقول لـ”المركزية”: قبل التحدث عن طريقة الاستهداف لا بد من التطرق الى الخرق الأمني الكبير الذي أدى الى تنفيذ العملية. هذا الشخص مُتابَع بشكل يومي دقيق من خلال داتا الاتصالات والعملاء، وتحركاته وتنقلاته من مكان إلى آخر وساعة خروجه ووصوله ومكان مقتله وتحديد مكان وجوده بدقة ومن ثم ضرب الشقة التي كان متواجدا فيها وسيارات المرافقين. هذه المتابعة لا يؤمنها شخص واحد ولا حتى شخص من خارج دائرة القرار، وهو ما نسميه cercle zéro وهذا يعني شخصا من الداخل، فحتى مرافقوه لا يعلمون إلى أين يتوجه، لأنه هو وغيره من قيادات حماس يتخذون احتياطات كبيرة، لأنهم مهددون كل يوم. الاحتياطات تعني أن حتى سائقه الخاص لا يعلم تحركاته، فهو لا يقول له بأنه ذاهب إلى مكان معين، بل يطلب منه أن ينطلق بالسيارة دون تحديد أي وجهة له، دون أن يعرف السائق إلى أين. وعندما نقول الـcercle zéro فإننا نعني الأشخاص أصحاب القرار في حماس. فكيف نعرف أن هذا الشخص وصل إلى مكان معين وسيبقى ساعة أو ساعتين، هذه لا يعرفها عميل من الخارج بل عميل من دائرة القرار او ما يسمى بالـnoyau dur. وهنا يمكن التحدث عن الخرق الأمني”.
أما تقنياً، فيقول نادر: “الخرق الثاني، إذا سلمنا جدلاً انها مسيّرة او طائرة حربية، بانتظار التحقيقات التقنية، فإن أحداً لم يرَ هذا الخرق. اسرائيل تمتلك اليوم التكنولوجيا يمكنها ان تطير بواسطة المسيّرات على علو 30 الف قدم او 7 آلاف متر دون ان تُسمَع أو تُرى. حتى الطيران الحربي يستطيع أن يرمي الصواريخ عن بعد 15 ألف متر من دون ان نسمعه او نراه وبدقة عالية جداً تزيد نسبته على الـ 99 في المئة. علينا ان نرى ما هي الصواريخ التي تم رميها، يقال ان هناك سقفين فوق المبنى الذي كان فيه العاروري تدمرا وسقطا عليه. وبالتالي تمتلك اسرائيل هذه القدرة التكنولوجية”.
ويضيف نادر: “تقنيا بمسيرة او طائرة حربية علينا ان ننتظر التحقيقات. في كل الاحوال، اغتيال العاروري بهذا الشكل يفتح العين على الكثير من العملاء في الداخل وعلى شبكات عملاء، منها، إذا عدنا بضعة أسابيع الى الوراء، الشهيد عباس نجل النائب محمد رعد، الذي دخل الى منزل برفقة خمسة مسؤولين معه في الجبهة، فاستهدفتهم الطائرة. هناك احتمالات عدة. وإذا عدنا عشرين عاما الى الوراء، مع الشيخ احمد ياسين رئيس حركة حماس، كيف تم اغتياله؟ ألصقوا جهاز “سنسور” بسيارته، فتعقبته طائرة الهيلكوبتر وضربته من علو مرتفع وقتلته. وكذلك عبد العزيز الرنتيسي قتل بالطريقة نفسها، هذه تقنيات لا يملكها لبنان. لا يمكننا أن نجزم بكيفية حصول هذه الاستهدافات، قد يجوز بشكل او بآخر من خلال متابعة الاتصالات او عملاء، لكن ما يمكن أن نجزمه هو ان اسرائيل تمتلك كل هذه القدرات. فنجل محمد رعد تم استهدافه، حتى لا نقول بطريقة مماثلة، عن طريق عملاء أعطوا معلومات استخباراتية حول تحركاته ومكان تواجده بالاحداثيات الـcoordonnées الدقيقة مئة في المئة، وبأنه دخل الى المكان وسيمكث فيه ما بين 3 و4 ساعات، كي تتحضر الآلية لاستهدافه. إذاً تقنياً هناك احتمالات عدة للاغتيال وعلينا ان ننتظر التحقيق”.
هل يمكن للهواتف الخليوية ان تكون ساعدت؟ ” استبعد ان يستعملوا هواتفهم. يجوز ذلك ولا يمكن ان نجزم، لكنهم يعلمون ان هواتفهم مراقبة ويمكنها تحديد موقعهم بالاقمار الاصطناعية واستهدافهم. أتصور ان العملاء في الشبكة استطاعوا ان يحددوا بالشكل الدقيق الاحداثيات وأعطوها لسلاح جو العدو ليقوم بالعملية بهذا الشكل”.
وعن الدقة في الإصابة؟ يجيب نادر: “سأعود بالذاكرة الى العام 2006، في عمشيت لدينا محطة ارسال قديمة للإذاعة اللبنانية ، مؤلفة من 4 أعمدة بارتفاع 30 متراً، مساحة السطح لا تتعدى الـ8 أمتار مربعة اي بحجم غرفة. أصابته طائرة ولم يرَ أحد كيف تم ذلك. هناك دقة عالية موجهة، تتم عن طريق ما يسمى بـpre- programm، حيث يتم تلقيم الصاروخ الهدف بكل الـcoordonnées ولا مجال للخطأ. درجة الخطأ لا تتعدى الواحد في المئة. هناك تكنولوجيا عالية تتيح لاسرائيل الضرب بدقة، ورمي الصواريخ عن ارتفاع 15 الف متر دون سماعه او رؤيته حتى، ولا نشعر إلا والانفجار قد حدث”.
عن المدى الزمني الذي يستغرقه الاعداد لعملية مماثلة يقول: “الامر يحتاج الى متابعة، لأن عملية بهذه الدقة تدل على ان الانسان متابع بكل تحركاته أينما ذهب، وانتظروا الفرصة السانحة لاستهدافه. سلاح الجو الاسرائيلي متواجد بشكل دائم في الاجواء اللبنانية ويستطلع ولا يمكن رؤيته او رصده لأن يمكن ان يصل الى ارتفاع 15 الف متر ، اي نتحدث عن 45 الف قدم. يمكن لسلاح الجو ان يقوم بـprogrammation للصواريخ الدقيقة حسب المعطيات المقدمة له. وصلته معلومات للاستهداف في منطقة معينة وحي معين والطابق المعين والشقة الغربي او الشرقي موجود الهدف، اي المعلومات الدقيقة فعندها يقوم سلاح الجو بإدخال المعلومات بـprogrammation للصاروخ وإرساله مباشرة الى الهدف وبدقة عالية”.