خوارزميات مواقع التّواصل ما بين الحاجة واختراق الخصوصية

بقلم رفال صبري

كم من مرّةٍ كنتَ تتحدّث مع أحدهم عبر مواقع التواصل عن أمرٍ معيّن فتفاجأت بسيلٍ من المنشورات ذات علاقة على صفحاتك، وتساءلت: “كيف عرفوا؟”
هذه هي خاصيات مواقع التواصل لا سيّما منصتا فيسبوك وإنستغرام وكل ما هو مدرج تحت مسمى “ميتا” التابعة ل “مارك زوكربرغ”.

ما يُدعى بالخوارزميات هو أساس هذه العملية كلّها، وهي عبارة عن خاصيّة تدرس اهتمامات المستخدم وتوجّهاته من خلال الوصول إلى معلوماته الشخصية التي تدّعي هذه المنصات بأنها لا تشاركها مع أحد إطلاقًا وتستخدمها لتحقيق أهدافها الخاصة!
ولعلّ هذه الخاصية تعتبر من أهم ما يسعى النّاس إلى كشف لغزه وكيفية عمله لا سيّما المسوّقون وصنّاع المحتوى الذّين يحاولون فهم هذه المنصات أكثر من أجل الوصول إلى أهدافهم بطريقة أسهل وأسرع.
في بداية ظهورها لم تكن الخوارزميات موجودة وكان توزيع المنشورات يعتبر عشوائيًا نسبيًا، لكن مع زيادة عدد المستخدمين وبالتالي زيادة عدد المنشورات وتنوعها ومع محدودية الوقت الذي يقضونه على هذه المواقع بات عليها أن تختار لكلّ فرد ما يفضّله ويتفاعل معه وعدم إضاعة الوقت وخسارة المستخدمين.

تكمن الإشكالية هنا فيما إذا كانت هذه المنصات تخترق خصوصية مستخدميها لتحقيق أغراضها والوصول إلى أهدافها خصوصًا وأنّ مؤسّسها “زوكربرغ” كان قد وقع في خطأ فاضح عام 2021 عندما تمّ تسريب المعلومات الشخصية لأكثر من 50 مليون مستخدم لمنصة فيسبوك لصالح شركة إحصائية تُدعى “كامبردج أناليتيكا”.
في ظلّ الاستخدام اليومي لهذه المنصات والسماح لها بالتعرف إلى معلوماتنا الشخصية ومشاركتها اهتماماتنا وأدق التفاصيل الخاصة بنا لدرجة باتت هذه المواقع تعرفنا أكثر من أقرب النّاس إلينا دون أدنى فكرة بما يمكن أن تفعله بتلك المعلومات ولم تستخدمها، لا سيّما مع التطوّر الذي يطرأ يوميًّا على مجال الانترنت ومع ظهور خصائص جديدة قد تشكّل خطرًا على الإنسان كما يمكن أن يفعل الذّكاء الاصطناعي في ظلّ التبدّل والتطوّر المستمرّين في عالم الانترنت والتكنولوجيا.

في حديثٍ لديموقراطيا أشارت الدّكتورة “تاليا عراوي” مسؤولة الأخلاقيّات الأحيائيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت أنّ لا وجود للخصوصية إطلاقًا على منصات التواصل المختلفة سواءً كانت فيسبوك، إنستغرام أو غيرها، وهذه المنصات مجانية وبمجرد وجود شيء بالمجان يجعلنا نطرح الأسئلة التالية: لماذا؟ وما الهدف منها؟
إذْ أنّ المعلومات الديموغرافية والأذواق والاهتمامات تخزّنها الخوارزميات، ومن خلال الألعاب الإلكترونية يتمّ تجميع معلومات عن المستخدمين وتكوين خلفيات عنهم فلا شيء بريء وبلا هدف في فضاء الانترنت تبعًا “لعراوي”.

تتلاعب الخوارميات بطريقةٍ أو بأخرى بسلوك المستخدم وتمنحه المعلومات التي يريدها وتحجب عنه ما لا يريده دون أن يشعر، وتستطيع التنبؤ بما يمكن أن يهمه مستقبلًا لذلك تقترح عليه العديد من المواضيع الجديدة التي بالفعل تكون موضع أهمية بالنسبة إليه.

تشير “عراوي” أنّه قد جاء في هذا السياق وثائقي على منصة “نيتفليكس” الشهيرة بعنوان “The social dilemma” والتي تعني المعضلة الاجتماعية، وقد تطرّق الفيلم لهذه المواضيع بشكل صريح، وحثّ الخبراء من خلاله على ضرورة تنظيم وضبط الخوارزميات لأنها تستهدف البشر وتتلاعب في نفسياتهم.

في الختام، ترى “عراوي” أنّه إذا ما أردنا تنظيم هذه الخوارزميات أو مواقع التواصل بشكلٍ عام فنحن بحاجة لمجموعة من البشر الذين ليس لديهم انتماءات دينية، سياسية، أو فكرية إطلاقًا وأن يكون هناك أشخاص غير منحازين إلى دولةٍ ما أو إلى مجموعةٍ معيّنة هو أمر أشبه بتعجيزي.
لذلك إنّ الخصوصية باتت مقتولة بشكل مدروس وغير موجودة نهائيًا في فضاء الإنترنت ولأن الإنسان أصبح مدمنًا فهو لا يستطيع التخلي عنها وكأنّه مستهدف بنوع من التنويم المغناطيسي، وهذه الخوارزميات هدفها أساسًا الاستيلاء على الفكر الإنساني والتحكّم به.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top