كتبت بولين فاضل في “الأنباء” الكويتيّة:
لا مغالاة في القول إن اللبنانيين اليوم ليسوا بخير نفسيا، وإن تفاوتت الدرجات بين لبناني وآخر. ولعله واقع بديهي في بلد لا يكاد يخرج من أزمة حتى يغرق في أخرى، فكم بالحري إذا كانت الحرب هي أحدث أزماته؟
وانطلاقا من إقرار العلم بأن المعاناة النفسية قد تكون أقسى وأخطر من المعاناة الجسدية، يطول الكلام عما يقاسيه اللبنانيون راهنا من ظروف تجعل قدرتهم على التحمل معدومة ونفسيتهم «بالأرض».
وفي هذا الإطار، يقول أكثر من معالج نفسي إن الخوف والقلق والتوتر واليأس والعجز وعدم اليقين والاشتياق إلى عزيز رحل أو بيت استحال خرابا، كلها مشاعر مشروعة في خضم هذه الحرب. وثمة ضرورة للإفراج عنها وعدم إنكارها، لأن شعار «نحن لا ننهار»، قد يقود إلى تداعيات نفسية خطيرة وطويلة في مرحلة ما بعد الحرب.
أحمد – ق. وهو مهجر جنوبي، اختصر لـ «الأنباء» وضعه النفسي وما يعتريه من أحاسيس في هذه المرحلة، فقال إنه يشعر في المسكن الذي نزح اليه وكأنه في سجن. واشتياقه إلى بيته وأرضه يتركه في حزن دائم. كما أكد أن «الخوف من أن تطول الحرب ويحل بلبنان ما حل بغزة»، وهذا يجعله في قلق دائم، فضلا عن أن إحساسه بأن ثمة من يشفق على حاله كنازح، ما يضاعف من ضيقه.
وإذا كانت التأثيرات النفسية تطول بالدرجة الأولى أي نازح وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشردا على الطرقات، ثم مقيما مع العشرات في مكان واحد حصته منه زاوية لا تتسع سوى لفراش النوم، فإن التعب النفسي لا يوفر أيضا المقيمين في المناطق التي وفرها حتى اليوم العدو الإسرائيلي من استهدافاته.
في هذا السياق، قالت زينة غ. التي عاشت كل فصول الحرب في لبنان إن الحرب الراهنة هي الأصعب عليها، لذا هي منهكة نفسيا. وروت أن منزلها يقع على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت. «ومنذ استهداف المنطقة في شكل عنيف في يوم اغتيال السيد حسن نصر الله»، انتابتها حالة من الصدمة والخوف الشديد، فحملت ما يمكن حمله وهربت مع عائلتها إلى مكان آمن. ومنذ ذلك الحين تذهب إلى عملها في النهار ثم تقصد منزلها وتأخذ منه على عجل ما تحتاجه من أغراض، قبل أن تبيت مع زوجها وابنها في منزل آخر. وأضافت: «صحيح أن بيتي لم يتهدم، لكن الوضع صعب وأشعر وكأني أحمل كل يوم بيتي على ظهري وأنتقل به إلى مكان سكني المؤقت».
وتؤكد زينة أن الخوف الذي ينتابها وقت سماعها صوت الغارات الجوية لا يمكن وصفه. وهو يسكنها لدرجة التأثر خوفا من أي أصوات طبيعية يمكن أن تسمعها في نهارها كـ «طبشة باب» أو صوت رعد أو أي صوت آخر، وكأن حاسة السمع لديها أصبحت مستنفرة ومتقدمة لدرجة التقاط أدنى الأصوات والتفاعل معها.
وفق المعالجين النفسيين، الانهيار ليس عيبا ولا خطأ، وإنما الخطأ هو في كبت المشاعر وعدم الإفصاح عنها للأخصائيين النفسيين الذين يجولون على مراكز الإيواء لتقديم الدعم النفسي الأولي، أو ما يشبه الإسعاف الأولي لمن يشعر أنه بحاجة إلى الكلام والتعبير والتنفيس.
أما العلاج النفسي المعمق فيأتي لاحقا حين تتوقف آلة الحرب ويعود الأمان وتبدأ مرحلة لملمة ما تضرر وتشظى، والأكيد أن من أولويات هذه المرحلة هي الصحة النفسية.